قصائد للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست


Recommended Posts

قصائد للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست

لوندكفيست

ترجمة : حميد كشكولي

دعني كي أستحيل بوقا تعزف فيه الحياة وصلات موسيقيّة مدويّة.

دعني ألّا أتداعى في ثمالة النوم – لا:

ألّا انبجس مثل نابض حديد مضغوط !

اجعلْ مني عازف فلوت بيدين مكسوتين بالشعر، أعزف الألحان من أشجار غنية النسغ،

و ليكن الشاحبين حمرا و ليرقص الجميع!

أزل اللحم الرخو من أطرافي،

اعطني عضلات تهتزّ و تشتاق و تحث على العمل،

عضلات سعيدة تشتغل كمكائن يانعة.

(مكائن بأطراف حديد عارية تسبح في زيت أزرق!)

***

أريد أن أزعق بهجة الحياة، وأضحك بفكٍّ قوي.

أودُّ لو تهاديت نشوةً، ثملا من فيض سعادة الحياة.

أبغي غناء ألحان سامية في مواسم يكون فيها الحصاد نعمة و القلوب مفعمة بالخير.

عسى أني أدمدم حول تفاهة الأشياء في فترات المرارة و التعب،

أغمغم بسوداوية مثل ريح أيلول حين تهب في أشجار مثقلة بالمطر.

أريد مداعبة الأرض بيدي فتزهر وتبعت بالنور.

أريد أن أكتب قصائد عن أيام لم تطلع بعد من رحم الفجر الأحمر.

***

الخريف

عواصف و أسمال الغيوم .

أشجار مائلة على الأفق الأحمر.

دروب خالية.

لا أناس عند البوابات.

جياد طليقة تعدو عدوا مخيفا فوق حقول عارية.

(كيف ترفرف أعرافها الطويلة بين أسمال الغيوم!)

مياه خريفية تمط إلى الأمام في طيات ثقيلة، و لمعان داكن حريري و سطوع لؤلئي لفولاذ مصقل .

شاب وشابة يلتقيان في مدرج الخريف الرطب القرمزي.

(كيف تقتحم الريح ثيابهما و ترسم رحم المرأة المدوّر!)

وعلى جذع شجرة في ملتقى الطرق ترفرف يافطة حمراء كشعلة تدعو إلى التمرد – ترفرف وترفرف في الريح.

من مجموعته الشعرية" الجمر" الصادرة 1928:

***

أنا رجل يحدق إلى الأسفل من فوق جسر وأراني منعكسا في الماء المتدفق،

لم أعد أعرف ذاتي، و لعل ذاك أي هائم يكون،

و أنا غبن حاول أن يصبح والد ذاته، يكفر في الأصول، مثل شجرة ليس لي تاريخ ، نموت بطريقتي الخاصة،

مع الريح، و ضد الريح،

حاولت أن أحب الحجر أينما كان واكتشف لون العيون ذاته في الماء،

ربما أنني ورثت الجوع حقا، جوعا لا يعرف الشبع و لا تفهم للقناعة حدودا،

فالجوع في ذاته كالجوع في ذاتي، ذئب يلقى ثلجه في كل مكان.

أنا الطفل الربيب في هذا البلد، لن أصل البيت قط،

أهيم في على وجهي و دوائر،

طفل ربيب دون أن يلقى جذرا يقتلعه من الأرض،

الضباب لوحده ينفرد للحظة ، و يغلق بوابة، مسلوتة سخام في وجه يوم حلوب،

أصوات غريبة ترعد من بعيد بلا أصداء،

الصقيع يجفل الأحجار فتغطس بآهات، مثلما ينبجس الهواء من العجين المختمر،

لكن تلك التنهيدة لا تلتفت إليّ.

إبر التفكير تلمع كأنني واقف على الساحل في مواجهة الشمس، لكن الأرض تختفي تحت الأشجار، حتى أنني لم أعُد أرى الغابة،

يصعد الدرب كسد منيع و المرور يطلق الإنذار بين تويجات الأشجار،

الروض يهجع في أجمته الخضراء و يلعق جروحه،

الحصان الرمادي الأخير ينحني إجلالا أمام الغروب مثل فتاة كبرت إلى سيدة عجوز،

والريح ترنم في رسن عمود البوابة بلا بوابة.

***

آلاف الآلهة تدب على الأرض، ترتفع بشكل لولبي، تملأ الفضاء دوامات وريشا،

إنه حصاد أنيق للآلهة من قمم الجبال نحو البحر،

آلهة تأكل وتتقيأ و تحلب خلسة،

تطأ الأرض و تشعل النار في الغابات،

تخفي ألبسة و يريق الطحين،

تفحّم قروص العسل و تهدر الزعفران،

يبني لنفسها معابد من البرق فوق المدينة،

تدفع الأفاعي لتعلّق في الشص،

القرش يبكي كالأطفال عند تل الرمال.

فما أقسى العيش مع الآلهة، و ما أصعب الحياة لها!

من يريد الخروج لمبارزة الآلهة كبطل آدمي بائس،

أيّ فأس يقوى على النيل من جذور الآلهة، فجذورها دفينة في الإنسان،

من يمكنه أن يقتلع تلك الجذور من اللحم، وإخراجها من مياه الأحلام العميقة و ظلمات الدم،

الآلهة التي تهرع لكي تعود من ديار لا نتصورها،

سعيدة سعادة خطيرة، و عندها مفاتيح من النار،

آلهة سرّاتها من هواء و عيونها تطفو كفقاعات على الماء.

لكن اطردْ هذا الإله الصارخ،

أخرجه كالألم من جذور الأسنان،

من مستراح الأمعاء.

فالحرية الأولى هي الحرية من الآلهة،

ومن ثم تأتي الحريات الأخرى،

والحرية من الحكام أيضا تشبه التحرر من الخوف،

(فالرجل الذي يدع أن يلدغه كوبرا هو حاكم،

والرجل الذي يجلس مبرأ في النار لهو حاكم،

فالسلطة عجيبة، كالحياة المفروضة):

فلهذا اقلع جذور الآلهة الدموية أيضا، إن صرخت مثل لفّاح الخرافات!

من مجموعته الشعرية " لحظات وأمواج" الصادرة 1962:

***

تمنيتُ أن تنمو لي أجنحة ( و من لا يتمنى مثل هذه الأمنية )

آه، أجنحة، أجنحة !

لكن تحققت أمنيتي إلى النصف:

أصبح لي جناح واحد فقط، على طرف واحد مني، وراء كتفي اليسرى!

فماذا أعمل بهذا الجناح؟

أقدر أن أفرده و أرفرف به بشدة في الهواء، مصعّدا الغبار و الأدخنة،

ويسع جناحي الوحيد أن يدور قليلا حول نفسه.

وما الفائدة من كل ذلك؟ فلا يرفعني عن الأرض قيد أنملة، يجعلني أدور فقط حول ذاتي و إذا لم أتمالك نفسي لأسقط !

ويل لي! أن تحوز على جناح واحد فقط أسوأ بكثير مما لو لم يكن لك جناح قط،

أنا الآن أفتقد الأجنحة بلا هوادة أكثر من أي وقت.

من مجموعته الشعرية " روعة الدنيا" الصادرة 1975:

***

أنت تقول إن الأشجار عُبدت كالآلهة، ولو كانت كل شجرة إلهة لكانت الآلهة أكثر عديدا من البشر، و قد تمت التضحية بالعديد منهم إلى اليوم، و لاستمروا يضحون بها، فالأشجار كالآلهة ترفع نفسها عالية عن البشر، ترى نفسها خيرا منهم و مهيبة، إذ تتنفس بعمق، وتشرب بعمق، وتعاشر الريح مثلما تعاشر نعوشا غير مرئية، تستقبل المطر كحرّاس في قلنسوات خضراء تحوّل أشعة الشمس إلى نبات.

أشجار كآلهة، أجساد و أرواح متحدة، تتوسط بجذورها، وجذوعها و تويجاتها بين الأرض والسماء، موسّعة مملكة الخضرة، و نضارة الأوراق، منقّية الهواء، خالقة المطر، أشجار لسلوى الإنسان، مثلما الأب و الأخ و الأخت تحمي و تبعث بالطمأنينة، صامدة وأمينة، صادقة يعتمد عليها، تحتضن و يبكى في ظلالها،

الأشجار الآلهة النائية، شمالا وجنوبا، تسبق حياة الإنسان إلى مديات أبعد، في بكم يحفظ أسرارها:

أسرار الآلهة التي لا يدركها البشر.

فما دام ثمة أمل عند الشجر، فهناك أمل عند البشر، شرط أن لا يتنكّروا للأشجار الوهيتها مثلما يتنكرون ألوهية إلههم.

من مجموعته الشعرية النثرية " صور الحواس" الصادرة 1982:

آرتور لوندكفيست (1906- 1991) يعتبر أهم شخصية أدبية و ظاهرة ثقافية خلال نصف قرن في السويد بإنتاجه الغزير شعرا وترجمة ودراسات، رائد الحدائة و مؤسس السريالية السويدية بعد أن عاش في الثلاثينات من القرن الماضي في باريس مركز الحداثة مـتأثرا بجيمس جويس وغيره. كان ينتمي إلى اليسار فكريا وسياسيا لكي يغيّر الحياة إلى أفضل و إلى السريالية شعرا لكي يغني الروح (حميد كشكولي).

منقول

رابط هذا التعليق
شارك

مرحبا

والله ماعرف منهو هذا السويدي

لكن بيني وبينك

كلامه جميل جدا جدا

واسلوب التشبيه عنده احلى بكثير

وتقبل خالص تحياتي لك اخوك صدى الذكريات

wub.gifwhistling.gif

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان