إن كان للفأر هواجس ( قصة قصيرة و جميلة )


Recommended Posts

لأسباب ما زلت أجهلها، اخترت من بين ملايين الفئران لأكون فأر تجارب .وضعوني في قفص تراءى لي لأول وهلة رحبا. حولي مشاهد فسيحة، لكن قضبان القفص كانت أقرب إليّ منها. كانوا يأتون فرادى ومجموعات، بأرديتهم البيض. و حين يقتنعون أخيرا، يزرقونني بحقنة.

كان كل شيء مقززا قبل أن تنضم اليهم فتاة بنظارات طبية، فتاتي ذات النظارات .. وحدها كان يليق بها رداؤها الأبيض. حين داعبْتٌ أصابعها الشفيفة و أشعرتها بعواطفي وصلت بها السعادة حد أن أخذت تخضعني، بمعزل عن زملائها، لتجارب خاصة بها. بعض من تجاربها كان مسليا، فيما كان البعض الآخر، لا سيما ما كانت فيه فتاتي تزرقني حقنا خاصة عدائية الألم، يحرق دمي و أعصابي و يجعلني أقضي الليل في عذاب مقيم صاباً عليها اللعنات جميعا . لكن هذه الآلام كانت تموت مرة واحدة بإطلالتها في الصباح مع فريق الباحثين كأنها طفل يحيط به الوحوش، فترسل إلي ابتسامتها المشعّة لأستقبلها قافزا متراقصا في قفصي .

أحيانا، حين يغادرون، تبقى فتاتي جالسة مقابل القفص هادئة، تتفرج على عذابي ... لقد كنت راضيا بكل أنواع العذاب، متقبلا لكل تجارب زملائها و تجاربها، حقنهم و حقنها، برحابة صدر ما دامت هي موجودة أمامي. و يبدو انها فهمتني، فأخذت تهددني بالرحيل. كانت تضع أمامي تلك الحقنة الخاصة المؤلمة، المحرقة والمرعبة، و حين تلحظ علي أمارات التمرد، تقوم و تتجه صوب الباب، تفتحه و تنظر إلي كأنها تقول : " تَقْبَل أو أرحلٌ ! "، و عندها، و في أقل من ثانية، أنطّ صوبها و أقدم لها وركي باستكانة، فتغرس فيه حقنتها حتى النهاية .، ثم أسقط فاقدا الوعي من شدة الألم .. إذا رحلْتِ، أموت ..!

لكن ذلك كله لم يكن أكثر من نكتة سخيفة إزاء الإصرار الذي أبصرته في عينيها ذات يوم وهي تقول لي ببرود تام :

- أنا راحلة . لن تراني بعد اليوم . كن مطيعا مع الباحثين، و لا تشاكس !

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان