××× الوطنية... المُفتَرى عليها ! ×××


أبو طلاح

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

الوطنية... المُفتَرى عليها !

في أثناء الحربِ العالميةِ الثانيةِ وحين اشتد ضغطُ الألمان على البريطانيين قدمَ أحدُ النوابِ استجواباً لرئيسِ الوزراءِ

يقولُ فيه :لسنا متقاعسين عن القتالِ في سبيلِ البلادِ، ولكنا نتقاعسُ أن نقاتلَ تحت قيادةِ رجلٍ خرفٍ مثلك)، ومع أن

الخبرَ قد شاعَ في العالمِ وتناقلته بعضُ وكالاتِ الأنباء، إلا أن أحداً لم يقل لهذا النائبِ إنك تشقُ الصفَ و تضعفُ الوحدةَ

أو تفرقُ الأمةَ وتخل بالأمن، بل كانت تلك الكلمةُ من الأسبابِ التي أدت إلى إسقاط رئيسِ الوزراء والمجيء بمن هو

أكثر كفاءة منه، وبهذا انتصرت بريطانيا في الحرب. فليت شعري ما مصيرُ هذا النائبِ لو أنه قال هذا الكلامَ في بلدٍ

عربيٍ وفي ظروفٍ مشابهةٍ لتلك الظروف?!.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية لم يُذكر أن رئيساً من الرؤساء قد ذهب بنفسه من أجل الإشراف على إطلاق سفينة

فضاء إلى القمر، أو أن أحداً من الأمريكيين والروس قال أنه من أجل الوطن قرر غزو الفضاء، لأن الوطنية في نظرهم

شعور لاشعار وعمل لاقول وخدمة لاخديعة، و هم قد انهمكوا بالعمل فانشغلوا به عما سواه، و تركوا أعمالهم تتحدث

بالنيابة عنهم، وهل شيء أبلغ من التعبير عن حب الوطن من التمكين من قيادة العالم وتحقيق الإنجازات

والابتكارات؟!، أم أن شيئاً أخلص للوطن من العطاء دون أخذ والمبادرة دون انتظار؟!، فإن من نواقض الوطنية أن

ترفع علم بلدك بيد بينما يدك الأخرى طائشة في ماله العام، أو أن تردد نشيده الوطني أمام الناس بينما تعمل على

تطرف أبنائه في الخفاء، كما أن الوطنيين حقاً ليس في أدبياتهم الاتجار بشهرتهم ولا التكسب بإنجازاتهم ولا الأخذ بغير

وجه حق، ففي بداية التسعينيات زار عددٌ من رواد الفضاء بعض دول الخليج فتم إهداؤهم ساعات ذهبية و ألماسية،

وعندما عادوا إلى أوطانهم سلم البعض منهم تلك الهدايا إلى الحكومة، لأن القانون يمنعهم تلقي هدية يزيد ثمنها عن

السبعين دولاراً، مع العلم أنهم يسافرون على نفقتهم، و رحلاتهم إلى الفضاء بلا أجر، و ليس لهم تأمين في حال

موتهم، على اعتبار أنهم متطوعون!.

أما في عالمنا العربي؛ فإنك لا تكاد تجد عملاً يتم إنجازه بصمت و دون صخب أو ضجيج، وكل شيء من الممكن أن

يتوفر في العمل عدا الإخلاص؛ فالمناسبات تحتاج إلى من يرعاها والمشاريع تحتاج إلى من يفتتحها، ودائماً يُلاحَظ أن

عدد المشاركين في إنجاز عمل ما هم أضعاف من يقومون به فعلاً، وتكلفته في الغالب أكبر كثيراً من الحاجة إليه، كما

أن افتتاح هذه المناسبات أو تدشين تلك المشاريع – مهما كانت تافهة – لا يخلو من الضجة والبهرجة الإعلامية، فلو

أراد مسئولٌ ما القيام بزيارة (مفاجئة) لدائرة حكومية فإنه لا يصطحب معه إلا الصحفيين و(الخويا) وتحيط به الدوريات

من كل جانب، إضافة إلى ما يسبقه من استعدادات تؤدي إلى إغلاق للطرقات وتعطيل لحركة السير وانتظار طويل من

الجهات التي يقصدها، و لا ينُهي زيارته في العادة إلا بالتواضع المصطنع والقول أن هذا العمل لولا تضافر الجهود لما

أنُجز بهذا الشكل، حتى إنك لتعتقد أن ما يتحدث عنه عمل خارق أو إنجاز فريد قد بُذِل فيه من الجهد مثل الذي بُذِل في

إطلاق سفن الفضاء، مذكراً أن الله من وراء المقصد و الوطن والأمة!.

لا أميل إلى تعريف الوطنية، لأنها في نظري شعور قد استقر في اللاشعور، ولا شيء أصدق تعبيراً عن الشعور من

العمل، كما أن تعريفها مهما كانت درجة دقته فإنه يظل ناقصاً، وقد يُستغل من قبل بعض السياسيين والانتهازيين في

تجريد اللفظ من الدلالة واستخدامه سوطاً في الوصوليةِ واستعداءِ السلطات وحشدِ الأتباع وتحريضِ البسطاء على أناس

يختلفون معهم فكرياً أو مبادئياً، مع أنهم على الأرجح أبعد الناس عن الوطنية، أما الوطنيون حقاً فإنهم يواجَهون

بحملات تشكيك واستعداء من جهات تلوك الوطنية بلسانها ثم تبصقها عند باب مصلحتها، فلقد ازددت قناعة مع الأيام

أن أكثر الناس حديثاً عن الوطنية هم أقلهم إحساساً بها وامتثالاً لمقتضياتها، وأنه ما من مجتمع يكثر فيه الحديث عن

الوطنية إلا وهو يعاني من نقص في مواردها، فالإنسان عادةً لا يكثر الحديث عن الصحة إلا حين يمرض، ويا لِتعاسة

مجتمع تتحول قيمه الكبرى إلى شبكات صيدٍ بيد المطبلين والمنافقين والانتهازيين.

شافي الوسعان *** الوئام

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان