×× من أين لك هـــذا ؟ ×××


أبو طلاح

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

من أين لك هذا؟ :wondering:

عندما قرأت خبر "توقيف نحو 32 شخصاً، بينهم مسؤولون وموظفون على رأس العمل، ومتقاعدون من جهات عدة، ومقاولون، وعقاريون، بعد أن مثلوا أمام لجنة التحقيق، التي أمر بتشكيلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - للتحقيق في كارثة سيول جدة، واستدعاء كائناً من كان للمساءلة والمحاسبة"، كانت القراءة الأولية للتوجيه تجعل من الممكن القول: إن فتح الباب لمحاسبة المقصرين بكل شفافية متناهية، خاصة فيما يتعلق بتطبيق النظام مطلب مهم، ولاسيما أن الجهات الرقابية بالسعودية ضبطت أكثر من 58 ألف قضية فساد مالي وإداري في غضون خمس سنوات؛ ما يعني تحوُّل الفساد إلى ظاهرة في المجتمع، بما يجعلها قضية لا يمكن إنكارها.

يعتبر تطبيق مبدأ "من أين لك هذا؟" أحد مستويات المحاسبة، ووسيلة من وسائل القضاء على الفساد بشقيه الإداري والمالي، الذي يقع على المال العام عبر العقود الإدارية، أو على الجرائم ذات الصلة بالوظيفة العامة، وهو مؤشر لضمان حماية المال العام، وتعزيز حصانته، وحماية نزاهة أداء الموظف في عمله بل إن تطبيق قاعدة "من أين لك هذا؟" سينتج منه محاسبة كل مسؤول عن أصول أموالهم، وثرواتهم، ومدخراتهم؛ كي لا تتنامى ثرواتهم بطرق غير مشروعة من جهة، ومن جهة أخرى حتى تسهل متابعتهم وملاحقتهم، واسترداد الأموال المنهوبة.

قبل أيام أصدر خادم الحرمين الشريفين أمره بتعيين رئيس هيئة لمكافحة الفساد بمرتبة وزير، على أن يكون ارتباطه مباشرة بالملك؛ ما اعتبره المتابعون صمام أمان للدولة وللأجيال القادمة من أي عبث. وكون رئيسها يرتبط بالملك سيعزز قوتها، ويعطيها مساحة أوسع للتعامل مع كل القضايا دون استثناء. بل إن صياغة الأمر الملكي الخاص بالهيئة بهذا المبدأ يؤكد تبني الفكرة بكل وضوح؛ حتى يكون سبيلاً إلى استنباط المفاهيم والأحكام، وسَنّ الأنظمة والقوانين في القضاء على الفساد.

إن متابعة سوء استخدام السلطة الوظيفية يستند إلى توجيه العقل إلى العبارة المشهورة التي أطلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحد عماله، حين سأله: "من أين لك هذا؟". وفي التطبيق أيضاً نجد هذا المبدأ في التاريخ، الذي تمثل في المحاسبة والمساءلة؛ فقد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، وكان عامله على مصر‏:‏ "من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص. سلام عليك. أما بعد: فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل، وإبل، وغنم، وبقر، وعبيد‏، وعهدي بك قبل ذلك ألا مال لك، فاكتب إليّ من أين أصل هذا المال؟ ولا تخفي عني شيئاً. فكتب إليه‏:‏ من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب - أمير المؤمنين‏ -. سلام عليك‏. فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، أما بعد‏: فقد وصلني كتاب أمير المؤمنين، يذكر فيه ما فشا لي، وأنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي‏، وإني أخبر أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص، وأني من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله، وفي رزق - أمير المؤمنين - سعة‏، والله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك، فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحساباً هي خير من العمل عندك! إن رجعنا إليها عشنا بها‏!. فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد، فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر، ونسقك الكلام في غير مرجع‏! وما يغني عنك أن تزكي نفسك! وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك، فإنكم أيها الرهط الأمراء جلستم على عيون المال، ثم لم يعوزكم عذر، تجمعون لأبنائكم، وتمهدون لأنفسكم، أما إنكم تجمعون العار، وتورثون النار، والسلام".

وفي بعض الدول المتقدمة، وحتى لا يتحول هذا الفساد إلى ساقية جحا، وتزداد أرصدة هذا الصنف من البشر، على حساب أوجاع الناس وجراحهم، فإن الالتزام بتقديم الذمة المالية لكل مسؤول يُعتبر أمراً ضرورياً، وذلك بتقديم ما يملكه هو وزوجه وأبناؤه القُصَّر من أموال منقولة، وغير منقولة، بما في ذلك الأسهم والسندات والحصص في الشركات والحسابات في البنوك والنقود والحلي والمعادن والأحجار الثمينة، ومصادر دخلهم، وقيمة هذا الدخل، إضافة إلى ما عليهم من ديون، إلى جانب الالتزام بتقديم الإقرارات الضريبية والذمة المالية سنوياً لجميع المسؤولين، التي يظهر من خلالها ثروات المسؤولين من عام لآخر، وتبريرات الزيادات في ثرواتهم.

الدكتور/ سعد بن عبدالقادر القويعي

سبق

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان