روفو قام بنشر May 18, 2004 ارسل تقرير Share قام بنشر May 18, 2004 1 كدمعةٍ هائلةٍ من الذهب، سقطَ الصباحُ على بغداد َالمستديرةِ، فهبَّ الأحياءُ، للكدِّ وجمعِ الرزقِ ، وواصل الموتى نومهم الخفيفَ كغبارِ الطلعِ ، هاهو المخطراني مرتديا زي الناسك * ، يطوفُ في الأسواق، ممثلا دورَ أخرس مسكين . وقريبا من دكانِ أبو سعيد الوراق، راحَ الكاغاني يتجننُ ويتصارعُ، فيما الزكوري يشحذُ خبزَ الصدقة، ويجمعهُ في سلة خوص كبيرة . أنظرُ إلى ساق القرسي، وقد حبسَ الدماءَ فيها بطريقة عجيبة ، فتورمت وغدت وكأن بها ورماً خطيرا . أعابث المزيديَّ وألمسُ صليبهُ النحاسي، ثم أضعُ درهيما صغيرا، في قبضةِ الصبيِّ الذي يحمله على كتفه ، زاعما انه لقيطٌ جائعٌ . ها أنا ذا أبلغ جسرَ بغداد َ الكبيرَ . أقفُ قليلا عندَ أميرِ كديةِ الرصافة، وهو يتوسل معاويةَ، فيغمزني غمزة خفيفة وهو يجسُّ الدراهم في هميانه . أعبر إلى جانب الكرخ، وهاهو أميرُ كديتها، يتوسل علياً والحسنين، ويتصدق عليَّ بابتسامةٍ منعشةٍ، ثم يحرك ُ هميانه حركةً ذات مغزى . مساءً، وبعدَ صلاةِ العشاءِ بقليل، يجتمع أميرُ كديةِ الرصافةِ، بأميرِ كديةِ الكرخ، خلفَ حمامِ مرجانةَ، وعلى حصيرِ القصبِ، يفرغان الهميانين، ثم يقتسمانِ الدراهمَ التي جمعاها، بالتساوي .. ها هو دريهمي الصغيرُ، منسياً ونافلا ، يتلامعُ بهدوء، على حصيرِ القصبِ، كدعوةٍ أنيقةٍ، للخروجِ من القصيدة . 2 هجرَ أميرُ الكديةِ بغداد َ، واصطحبَ زوجته إلى "واسط ". وهناك، جاورَ مسجدها الكبير، وقام بدور الفقيه الزاهد،الورع، المجاور .. حتى إذا ما دخل قلوبَ الناسِ، و عقولهم، زعمتْ زوجتُهُ إنه قتلَ ابنه سهوا، وهو يتعذب لأنه غير قادر على دفع الدية لها . همهمَ الواسطيون ودمدموا . لكنهم في النهايةِ حلوا همياناتهم، وجمعوا دية الطفل القتيل، ودفعوا بها للشيخ، الذي دفعها لزوجته، بحضور الشهود العدول من أهل واسط . في الصباحِ التالي : اختفى الشيخ ُ . اختفت الزوجةُ . اختفت الديّةُ . و تدلت جثة ُ الطفلِ فضيةً ، في ضمائر الناس . * الكدية : كلمة من العصر العباسي تعني المسألة والشحاذة . أرجح أن يكون أصلها هو المزيد " أكدى " وليس الثلاثي المضعف " ك د د " واسم الفاعل من الأولى هو المكدي وجمعها السالم "المكدين "والتكسير "المكادي ". الكلمة مازالت حية في اللهجة العراقية المعاصرة ولكنها تنطق أحيانا بالجيم " مجدّي / و جِدية " وأحيانا أخرى بالقاف الحميرية أي الجيم القاهرية . الكلمة فصيحة وقد وردت في لسان العرب لابن منظر و على النحو التالي : أكدى = ألحَّ في المسألة . والكدية = كل ما جمع من طعام أو تراب أو نحوه فجعل كثبة .والمكدي هو الذي لا يثوب له مال ولا ينمي . الشاهد الشعري الذي أورده ابن منظور هو قول الشاعر : تضنُّ فنعفيها إنْ الدارُ ساعفتْ فلا نحنُ نكديها ولا هي تبذلُ . ** المخطراني و الكاغاني والسكوري والقرسي والمزيدي شخصيات حقيقية لمكدين عاشوا في بغداد العباسية وورد ذكرهم في كتب التراث ومنها البخلاء للجاحظ . أما قصة المكديين على الجسر وقصة المكدي المجاور وزوجته فحقيقيتان أيضا ووردتا في "نشوار المحاضرة ج2/ 351 " ومصادر تراثية أخرى . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
كنج السهيلات قام بنشر May 21, 2004 ارسل تقرير Share قام بنشر May 21, 2004 الله عليك ياروفو من كثر اعجابي بمشاركاتك.. رحت اطبعها ....ولا اخفيك اني احفظ بعضها.. اخوي روفو.....لو تدري وش كثر المعجبين فيك ماكنت تبطي علينا بابداعاتك... سلمت لنا ياحامل مشعل الابداع..... رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
السعودي قام بنشر May 22, 2004 ارسل تقرير Share قام بنشر May 22, 2004 مشاركه ادبيه راقيه تحياتي لك وتقديري رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
روفو قام بنشر May 29, 2004 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر May 29, 2004 شكراً لك أخوى السعودي رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
مبـوبز عند محيي قام بنشر May 30, 2004 ارسل تقرير Share قام بنشر May 30, 2004 تسلم يمينك على المشاركة الرائعة رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق
ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل
سجل دخولك الان