راعي النزية قام بنشر October 12, 2003 ارسل تقرير قام بنشر October 12, 2003 حقوق ولاة الأمور بين الهوى والشرع بقلم فضيلة الشيخ فهد بن سليمان الخليفة * لقد شرع الله لعباده أكمل شريعة وأتمها وأقومها بمصالح العباد، وإن مما جاء توضيحه أحسن توضيح وبيانه أجمل بيان علاقة الإنسان بولي أمره وطاعته والسمع له وعدم الخروج عليه وعصيانه وقتاله، بل إن المسلم في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، وانتشر المفتون في أنحاء الأرض في وسائل الإعلام وكثر المروجون للشبه الباطلة، في هذا الوقت لا بد أن يعلم المسلم منهج أهل السنة والجماعة في ذلك ويعتقد اعتقاد السلف الصالح فيه، وقد يسمع المرء أسئلة تلقى في وسائل الإعلام، أو تخطر على باله قد تسبب له حرجا فلا يجد لها مخرجا مثل حكم طاعة ولي الأمر، وهل يجوز الخروج على الحاكم إذا اقترف بعض المعاصي؟ هل تجوز مخالفة نظام ولي الأمر كالمرور والبلديات والجوازات؟ هل يجب الدعاء لولي الأمر؟ وما حكم من يمتنع؟ وما حكم من يدعو عليه؟ وهل يجوز الاستخفاف بولي الأمر والتحايل على مخالفة أمره؟إن هذه المسألة المهمة قد اهتم بها أهل السنة والجماعة، وأصحاب كتب العقائد الأوائل والأواخر بإيضاحها وبيانها والتأكيد على رعايتها والقيام بها بالتفصيل، إن منهج أهل السنة والجماعة في هذا الأمر هو مقتضى ما دل الكتاب والسنة عليه، وقبل أن أذكر هذا الأمر لا بد أن أذكر نفسي وإياكم بأنه لا بد من التجرد من الجهل والهوى في هذه المسألة، لا بد من التجرد من الشبهات والحجج الواهية والشبه الباطلة وتستمع بكل حياد وإنصاف لآي الكتاب وأحاديث السنة ونقول السلف لأنك إذا استمعت لشيء وأنت لا تعتقده أساسا لا تستفيد منه، بل لا بد من أن تجرد نفسك من أي هوى أو مذهب أو فرقة أو طائفة حتى تكون مسلما سلفيا على الجادة، فإذا رددت آي الكتاب وصحيح السنة وقعت في شر كبير وضرر خطير في الدنيا والآخرة. قال الإمام ابن رجب في جامع العلوم والحكم " من النصيحة لأئمة المسلمين التدين لطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحسب إعزازهم في طاعة الله " ا. هـ، معنى التدين بطاعتهم أن تجعل طاعتهم دينا تدين به لله، فليست الطاعة لولي الأمر تكرما منك أو عطية منك، بل هو أمر ديني واجب القيام به وأداؤه. إن حقوق ولي الأمر المسلم كثيرة، من أهمها: السمع والطاعة لهم وتحريم الخروج عليهم، لأن الطاعة من أعظم الأسس لانتظام أمور الدول والحكومات، وتحقيق أهدافها الدينية والدنيوية لأن الولاة لا بد لهم من أمر ونهي، ولا يتحقق ذلك إلا بالسمع والطاعة من الرعية، قال عمر بن الخطاب: لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا أمير، ولا أمير بلا طاعة" ا· هـ جامع بيان العلم، فالواجب على كل فرد السمع والطاعة لولاة الأمور ما لم يأمروا بمعصية، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لهم في هذه المعصية· قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ إنما الطاعة في المعروف “ رواه البخاري ومسلم، وقال “ على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة “ رواه البخاري ومسلم، وقال: “ تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، اسمع وأطع “ رواه مسلم، وقال: “ اسمعوا واطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة “ رواه البخاري، وقال إنها ستكون بعدي أثره وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الحق الذي لكم “ رواه البخاري ومسلم، وقال: “ من رأى من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية “ رواه البخاري ومسلم، وقال: “ من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية “ رواه مسلم، وقال “ عليك السمع والطاعة في عسرك، ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك “ رواه مسلم وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: “ بايعنا رسول الله “ على السمع والطاعة وفي العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم “، رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: “ إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان “ وروى مسلم أن سلمة بن يزيد رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله: “ أرأيت أن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “ اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم “. فقد دلت هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها الكثير على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية وتحريم الخروج عليهم ونزع الطاعة من أيديهم وإن جاروا وظلموا إلا أن يروا كفرا بواحا فيه من الله برهان وكان عندهم القدرة على تغييره وإذا لم يكن فلا، وعلى هذا الاعتقاد جرى عمل السلف الصالح ومنهم الصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأئمة الإسلام المتبوعين، روى مسلم أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما جاء إلى عبدالله بن مطيع لما خرج على يزيد بن معاوية زمن الحرة منكرا عليه خروجه في طاعة الخليفة فلما جاءه قال عبدالله بن مطيع أطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة فقال: لم أتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله “ يقول من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية “ فقد أنكر ابن عمر على ابن مطيع خروجه على يزيد بن معاوية مع الحال التي تعرفونها عن يزيد غفر الله لنا وله، بل إنه قد تولى الخلافة والإمارة على بعض البلدان في عهد الصحابة بعض الأمراء الذين فيهم شيء من الظلم والجور أو شيء من الفسق مثل يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة والحجاج بن يوسف وغيرهم ومع ذلك كان الصحابة كابن عمر وابن مسعود وأنس بن مالك وهم من علماء الصحابة وفضلائهم يسمعون لهم ويطيعون في المعروف ويصلون خلفهم الجمع والأعياد.. ولم يأمروا الناس بالخروج عليهم ونزع الطاعة من أيديهم بسبب ما هم عليه من الجور والظلم أو الفسق الذي لم يخرجهم من الإسلام لأن الأمير وإن زنى أو سرق فهو مسلم لم يخرج من دائرة الإسلام، بل كان الصحابة يحثون الناس على السمع والطاعة في المعروف والصبر على الظلم والجور لما يعلمون من وجوب ذلك حرصا على جمع كلمة المسلمين والتأليف بين قلوبهم ودرء الفتن أعظم من فتنة الظلم والجور لأن الخروج على ولاة الأمور بأي خروج يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما فيختل به الأمن وتضيع الحقوق وتختل السبل ولا تأمن ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، بل يجب الصبر والطاعة والاجتهاد في تقليل الشر وتكثير الخير، وجرى على هذا الاعتقاد أئمة السلف الصالح من إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل وسفيان الثوري والشافعي والصابوني والإسماعيلي والطحاوي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم كثير كثير من أئمة السنة وأصحاب الحديث في القديم والحاضر، كلامهم واعتقادهم واحد لأنهم يرجعون إلى نصوص الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، قال الأئمة في كتب العقائد: ونرى الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام برا أو فاجرا ويرون الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ونسمع ونطيع ولا ننزع يدا من طاعة ولا ندعوا عليهم. من حقوق ولي الأمر المسلم النصيحة له وقد جاء الإسلام بها والتأكيد عليها قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2] وفي الحديث الذي رواه مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ الدين النصيحة وذكر في آخره “ ولأئمة المسلمين “. وروى مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم : “ إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا ممن ولاه الله أمركم والنصيحة إرادة الخير للمنصوح والمراد تذكير ولاة الأمور برفق ولين والنصح لهم فيما يتولى لهم المرء من أعمال دون تقصير أو غش أو خيانة، ومن النصيحة لهم حب صلاحهم ورشدهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة الافتراق عليهم ومعاونتهم على الحق وإعلامهم بما غفلوا عنه بلطف ورفق، فالواجب الاعتناء بالنصيحة لولاة الأمور وإخلاص النية في ذلك، ومن حقوق الولاة تذكيرهم بالمعروف وإعانتهم عليهم ونهيهم عن المنكر وتحذيرهم منه لأنه من أعظم الواجبات الشرعية التي أوجبها الله على الأمة لما فيه من المصالح الكثيرة للعباد والبلاد، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب خيرية هذه الأمة {كنتم خير أمةُ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110] ومن آكد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تذكير ولاة أمور المسلمين من الملوك والرؤساء وكل من ولي من أمر المسلمين شيئا تذكيرهم بعظم مكانة ولاة الأمور وعلو قدرهم وأن يكون الإنكار عليهم سرا حتى لا تنتهك حرمتهم وينتقص من قدرهم فإنه حري بالقبول وحصول المقصود قال الله تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } [طه: 44] . وروى الإمام أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم “ من أراد أن ينصح السلطان بأمر فلا يبذل له علانية “ ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه ذلك وإلا كان أدى الذي عليه “ روى البخاري في صحيحه أنه قيل لأسامة بن زيد لو أتيت عثمان بن عفان فكلمته قال إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أن أسمعكم أني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه “ قال الحافظ ابن حجر: أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان وكان من خاصته يكلمه في شأن الوليد بن عقبة لأنه كان ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره فقال أسامة: كلمته سرا، ومراده ألا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشي من عاقبة ذلك “. ا.هـ. هذا هو الأسلوب الأمثل والمنهج الأقوم الذي ينبغي أن يسلك ويحتذى في الإنكار على ولاة الأمور، أما سلوك غير ذلك من الأساليب المنكرة والمناهج المحدثة كالجهر بالإنكار عليهم أمام الناس في خطب الجمع والعيدين أو في المحافل العامة أو وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة أو منتديات الإنترنت كل ذلك تشهير بهم وتنقيص لأقدارهم ومع أن هذا الفعل خلاف التوجيه الإلهي والهدي النبوي والمنهج السوي الذي سار عليه سلف الأمة فإن له آثارا سيئة ومفاسد عظيمة، إذ قد يكون سببا في ايغار صدور الرعية على ولاتهم وايغار صدور الولاة على الرعية وحصول العداوات والبغضاء وربما نتجت بسببه فتن تخلف مفاسد كثيرة وأضرارا عظيمة على البلاد والعباد. إن من حقوق ولاة أمور المسلمين الدعاء لهم بالصلاح والهداية والرشاد والتوفيق للخير وهذا من مقتضى النصيحة لهم وعدم غشهم وهو علامة سنة، وقد ذكر السلف في كتب العقيدة أن الدعاء لهم من حقوق ولاة الأمور قال أبو عثمان الصابوني المتوفي 449هـ ويرون ـ أي أصحاب الحديث ـ الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح وقال: “ إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وكهذا قال الإسماعيلي المتوفى سنة 371هـ، قال الإمام أحمد: لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها في السلطان “ ا. هـ. وقد سُئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ: هل من مقتضي البيعة الدعاء لولي الأمر ومن يمتنع عن الدعاء ما حكمه؟ فقال: من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل والبطانة ومن يمتنع فهو من جهله وعدم بصيرته، فالدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات، فالسلطان أولى من يدعى له لأن صلاحه صلاح للأمة، ومن أهم النصح له. ا هـ. كلامه. هل بعد هذا البيان من آي الكتاب وصحيح السنة وأقوال وأفعال الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف المتبوعين من يأتي ويشكك في حقوق ولي الأمر المسلم؟ هل بعد هذا من يأتي ويجيز الخروج على ولاة الأمور أو يفتي لهم بجواز الاغتيالات والتفجيرات وإشاعة الفتن والقلاقل، هل بعد هذا البيان من يبرر للخارجين والمخالفين للكتاب والسنة بتبريرات جاهلة ومبتدعة أو يمتنع عن مناصحته والدعاء له بل لربما دعا على ولي الأمر ولعنه. أعود بسؤال قد بدأته في بداية المقال: هل تجردت من الهوى والجهل والحزبية لسماع عقيدة السلف الصالح والعمل بها والإيمان بها، نسأل الله التوفيق والإعانة وأختم بهذه القصة التي ذكرها حنبل بن إسحاق في كتابه “ محنة الإمام أحمد “ قال: لما أظهر الواثق القول بخلق القرآن جاء نفر من فقهاء بغداد إلى أحمد فقالوا: يا أبا عبدالله هذا الأمر فشي وتفاقم وقد أظهر الواثق ما أظهر ونحن نخافه على أكثر من هذا، فقال لهم أحمد: فماذا تريدون؟ قالوا: لا نرضي بامرته ولا سلطانه، فناظرهم ساعة حتى قال لهم: فماذا يضركم إن لم يتم هذا الأمر أليس قد صرتم من ذلك إلى المكروه، عليكم بالنكرة في قلوبكم ولا تخرجوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصى المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين. انظروا في عاقبة أمركم ولا تعجلوا واصبروا حتى يستريح بركم أو يستراح من فاجركم، فقال بعضهم انا نخاف على أولادنا إذا ظهر هذا لم يعرفوا غيره ويمحو الله الإسلام فقال الإمام أحمد كلا إن الله ناصر دينه وإن هذه الأمر له رب ينصره وإن الإسلام عزيز منيع “. * القاضي بالمحكمة الكبرى بالطائف ـ خطيب جامع محمد بن سرور
Recommended Posts
من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق
ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل
سجل دخولك الان