ظلمات التكفير ...


Recommended Posts

لا ننكر أنه يوجد في مجتمعاتنا أناسٌ منافقون من العلمانيين وغيرهم من الذين ليس

لهم قيمة في المجتمع لا دينياً ولا دنيوياً، بل إنهم في آخر الركب في كل شيء،

وأكثرهم من السفلة وسقط المتاع.

وهؤلاء المنحرفون لا يريدون قيام الدين ولا سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

ويظهر ذلك واضحاً جلياً في كتاباتهم التي تملأ أعمدة الصحف ليل نهار، من دعوتهم لمحو

رسوم الإسلام وإعلان الفسق والفجور والاختلاط بين الجنسين وجعل الدولة دولة علمانية،

وتحجيم العمل الخيري، والتحريض على أهل الخير واستهجانهم؛ والتعليقات الساخرة عليهم؛

وتأييد الكفار في قمع المسلمين وتقتيلهم، وتثبيط الناس عن نصرتهم.. وزعزعة

الإسلام في قلوب أهله.

وهؤلاء المنافقون لا مكّنهم الله ، لو جعل لهم من الأمر شيء لأيّدوا القول بالفعل،

ولكن لعل نداءات بعض أهل الخير تقف دون تحقيق مبادئهم المنحلة؛ وعموماً فإني أبشر كل من

وقف ضد الإسلام بسوء العاقبة قال تعالى :

" إن شانئك هو الأبتر" أي :مبغضك هو المقطوع ، فليُبشَّرُ هؤلاء بما يسوؤهم.

والحقيقة أن هؤلاء الجهال الباحثين عن الشهرة لم يجدوا لها سبيلاً إلا بالطعن في دين الله العظيم

اغترارا بحلم الله ؛ولكن الويل لهم إن وقع عذاب الله فلا نجاة لهم يومئذ .

وتأمل حال هؤلاء: تجدهم في عزلة، مبغوضين من الناس؛ مشتتين في أسرهم، نزعت البركة

من حياتهم، يعانون ضيق الصدر وكثرة الأحزان . لِمَ ؟!!!! " إن شانئك هو الأبتر" .

لكن على الرغم من هذا الزخم السيء ؛يجب ألا ننظر إلى المجتمع نظرة قاتمة ونعمم الأحكام على

الناس خصوصاً في مسألة التكفير.. فإن بعض الناس بسبب تشدده وتكفيره للمجتمعات بسبب

المعاصي قد عاش في عزلة وبدأ ينظر للمسلمين بازدراء وكأن الجنة لا تسع إلا من كان على

طريقته وباقي الناس كفار ابتداء بالحاكم وانتهاء بالمحكوم .

إن التكفير عند أهل السنة يقوم على أصلين مهمين احفظهما جيداً:

1-دلالة الكتاب والسنة على أن القول أو الفعل الصادر من المحكوم عليه موجب للكفر.

2-انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين، وهنا لا بد أن تتم به شروط التكفير وتنتفي الموانع.

ويجب الحذر من أن يُنسب أحدٌ إلى التكفير دون بينة لأن الخطأ في الحكم على المرء بالإسلام؛

أهون من الحكم عليه خطأ بالكفر، لما يترتب عليه من أحكام؛ قال صلى الله عليه وسلم:

" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".

فإما أن يكون كذلك وإلا رجعت على القائل .

قال ابن تيميه رحمه الله:

" هذا مع أنى دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين

إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة،

وفاسقاً تارة، وعاصياً أخرى"اهـ . مجموع الفتاوى 3/229

ولا أعني بهذا أن يُتسامح بتكفير من سبّ الله ورسوله أو انتقص نبياً أو أنكر رسالة النبي

صلى الله عليه وسلم، أو طعن في القرآن، أو أنكر صفات الله؛ ولكن هذه دعوة لبيان أنه يجب معرفة

كون هذا الأمر كفراً..ومعرفة أن هذا الكفر مما يكفّر به الشخص المعيّن.

ومن أراد الاستزادة في هذا المبحث المهم الخطير فليراجع كتابَ

( موقف أهل السنة من أهل البدع والأهواء ) لفضيلة شيخنا إبراهيم بن عامر الرحيلي

- حفظه الله - فقد ذكر له فصلا خاصا وبين شروط التكفير وموانعه؛ مع الرد على

المخالفين في مبحث قلما تجد مثله في الرصانة والرد العلمي .

كما أنني انبه أن مثل هذه المواضيع الحساسة لا تؤخذ إلا من أهل العلم الموثقين لمشهود لهم

بالعلم والتبحر والخشية واتباع السنة دون الأهواء المضلة؛ ولا يُقرأ فيها لكل كاتب ولو كان متخبطا

يكتب دون علم ولا برهان أو سداد رأي وعموما فإن كثيرا من دعاة السياسة في عصرنا الحالي

يستدل بقول الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"

وهذه الآية تحتاج إلى وقفات :

أولا: الذي ندين الله به أن الحكم بغير ما أنزل الله وتعطيل حكم الله هو أساس فساد العالم وانفلات

أمورهم وتبدد أحلامهم واختلاط أفكارهم وسبب لانفلات الأمن وإهدار الدماء،ولو حكموا بما أنزل

الله لطابت لهم دنياهم وأفلحوا في آخرتهم، كيف لا ؟! والله هو الحكم العدل وأعلم بمصالح عباده

وما يصلح شؤونهم، فكل حكم بما سوى كتاب الله باطل وجريمة عظمى وفاجعة شنيعة.

ثانيا: هذه الآية عامة، فلماذا بعض دعاة السياسة يجعلها خاصة في الحاكم دون المحكوم،

و" مَن" من ألفاظ العموم؛

ويؤيد العموم أن سبب نزول الآية في أناس من أهل الكتاب لم يكونوا من الحكام.

ثالثا: دعاة السياسة حصروا: " الحكم بما أنزل الله" في الحدود فقط ولم يطبقوه في باب العقائد،

فتجد بعضَ أصحابهم قبورياً أو ينكر صفات الله أو يدعو إلى التقريب بين الأديان، أو يشيّد القبور

التي تعبد من دون الله ومع ذلك يسعون إلى تلميعه وأنه يحكم بما أنزل الله، وبعض الدول بسبب بنوك

الربا وانتشار المعاصي يقولون بتكفيرها وإخراج أهلها من الإسلام!

فانظر إلى القسمة الجائرة .. أصحابهم مسلمون على الرغم من عدم تحكيمهم لشرع الله في أعظم

المطلوبات من العبد وهي " توحيد الله وإفراده بالعبادة"، ويكفرون أصحاب الذنوب والمعاصي لاقترافهم

المعاصي .

وهذا الكلام ليس من أجل التهوين من الذنوب والمعاصي والبنوك الربوية بل إن آكل الربا مؤذنا

بمحاربة الله ورسوله ولكن نذكر هذا إشارة إلى القسمة الجائرة عند هؤلاء وتهوينهم لأعظم مسألة

والتي من أجلها بعث الرسل وسل السيف وهي

مسألة التوحيد ؛"فأين الحكم بما أنزل الله" ؟!!

رابعا: هذه الآية الكريمة التي فسرها حبر الأمة عبد الله بن عباس بقوله :

" ليس الكفر الذي تذهبون إليه ولكن كفر دون كفر"

ويقصد به رضي الله عنه.. أن الحكم بغير ما أنزل الله من كبائر الذنوب..

مع التنبيه: على أن من فضّل الحكم الوضعي على الحكم الشرعي أو ساواه به أو فضّل حكماً

واحداً وضعياً على حكم شرعي أو اعتقد عدم صلاحية الحكم الشرعي لهذه الأزمان فإنه كافر خارج

عن ملة الإسلام، ( وإن حكم بالحكم الشرعي ).

وإما إن اعتقد أن الحكم الشرعي هو الأفضل والأكمل والأحسن ولكنه لم يطبقه على الناس لخوف

على كرسي أو مصلحة أو لرشوة فإنه صاحب كبيرة وهو عاص لله

وعلى خطر كبير عظيم ولكنه ليس بكافر.

والمعاملة تكون على الظاهر وأما السرائر والبواطن فهي ملك لله وحده؛ هو المطلع عليها سبحانه .

ولا يفهم من القول أنه ليس بكافر أن هذه تزكيةً له بالعدالة فهو إن لم يكن كافرا فلن يخرج حالُه

عن إحدى المنزلتين الأخريين : ( الفسق أو الظلم ) قال تعالى:

( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون ) .

وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون ).

ولا شك أنه على خطر عظيم ؛ بمجانبته حكمَ الله والركونِ إلى أحكام الطاغوت .

وقد ذكرت هذا لأن بعض الفضلاء يخلطون بين مسألة وجوب طاعة الحاكم الذي لا يحكم بما انزل الله

وبين محبته المطلقة ؛ ـ وهذا خطأ ـ فنحن حين نطيعه فإنها طاعة لله لأننا لا نرى كفره ؛

ولكن لا يعني هذا أنني أحب من سماه الله في كتابه فاسقا وظالما حباً مطلقا؛ وقد تلبس ببعض الكبائر ؛

وربما كان سيئَّ السيرة في سياسته ؛ مجاهرا بما يغضب الله في سلوكياته ؛والاعتدال أن أحب ما فيه

من الخير وأبغض ما فيه من الشر ؛حاله كحال عامة الفساق الذين لهم بعض

أعمال الخير مع ما تلبسوا به من الذنوب .

خامسا: نبهنا على هذه الآية بالذات لأنه قد عادت كرة الخوارج الذين يكفرون الناس بالذنوب والمعاصي..

فبعضهم يكفر صاحب الربا وأصحاب الملاهي، وبعضهم يكفَّر الفاسق المجاهر بفسقه؛

وغير ذلك من النوابت السيئة التي ضللت كثيراً من شباب الأمة فتبعوا هذا النعيق فبدأوا يحقدون على

عصاة المسلمين ؛ وينظرون إلى المجتمع نظرة قاتمة مظلمة

فتركوا دعوة الناس وتوجيههم وأخذوا يكيلون لهم بصاع التكفير .

ولا أخفي حقيقة أن قائد هذا الفكر في هذا الزمان ؛والذي استمد منه كثير من دعاة السياسة

هذه النظرة الموحشة هو ذلك الكتاب المسمى : "معالمُ في الطريق " الذي لم يقتصر صاحبه فيه

على تكفير المجتمعات فقط، بل ذهب إلى جعل "المؤذنين" أشد الناس كفراً لأنهم بزعمه

لا يدعون لله ولكن يدعون للطاغوت .

ووالله لا نقول هذا الكلام عداوة لأحد من أجل الدنيا .فإنه ليس بيننا وبين صاحب هذا الكتاب عداوةُ دنيا ؟

لم يأخذ منا مالاً ولم يقتل لنا قريباً ولكننا نقول ما نقول؛ نصحاً لشباب الأمة حتى لا يضللهم هذا الفكر

المتشدد، الذي يبدأ بتكفير الحاكم ، ثم تبدأ مسألة التسلسل فكل من يعمل في بلاطه فهو كافر .

إن بعض الشباب بدأوا يهوّنون مسائل العقيدة التي من أجلها بعث الرسل وسل السيف وأريقت الدماء ،

من أجل توحيد الله وإفراده بالعبادة. فأخذوا يعذرون بعض الكتاّب السياسيين رغم تخبطهم في مسائل

عظيمة تضاد العقيدة لأنهم أخذوا عقولهم وتلاعبوا بها، وفي المقابل نزعوا من قلوبهم الرحمة تجاه

دعاة الحق وأنصار السنة والدعوة السلفية الذين يريدون إرجاعهم للأصل الأول..

ونزعوا من قلوبهم الرحمة تجاههم وألبوا عليهم الفساق والدهماء، وتشددوا ضدهم أكثر من

تشددهم ضد الطوافين بالقبور ومنكري الصفات ومعلقي التمائم والمستغيثين بغير الله والداعين

من دونه شركاء . لمَ ؟

لأنهم يؤيدونهم في مسألة عظيمة وهي " الكرسي والزعامات"..!!!

وكتب

أفقر الورى إلى ربه

والمقر بذنبه

سالم العجمي

الكويت- الجهراء ص ب 1476

هذا الموضوع فصل مستل من كتاب فضيلة الشيخ :

سالم العجمي (( للدعاة فقط ))

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان