حديث مع دبلوماسي عربي لم ينته


روفو

Recommended Posts

د. محمد صالح المسفر

تاريخ النشر: الثلاثاء 17 يونيو 2003, تمام الساعة 04:42 صباحاً بالتوقيت المحلي لمد ينة الدوحة

بدون موعد سابق قدر لي أن ألتقي بدبلوماسي عربي من دولة عربية عزيزة على نفسي، كغير عادته، غابت الابتسامة عن محياه، عيناه محمرتان، مقطب الجبين، أحسست بأني أتيت في الوقت الخطأ، سألته كعادتي كيف الحال؟ أجابني قبل أن أتمَّ جملتي أي حال تسأل عنه؟ حالي.. صحتي جيدة.. وأسرتي بصحة جيدة، لكن ليس هذا الحال.. حال أمتنا الذي تسألني عنه ليس بخير وليس بصحة جيدة.. أعرف أنك تتابع الأحداث، ومتابعتها همك الأول، واستمر في الحديث دون توقف، قل لي بربك ماذا حدث في العراق؟ من أين انطلقت قوى الشر على العراق؟ من الهند أو إيران أو اليونان أو تركيا من أرتيريا أو الحبشة؟ من مياه المحيط الهندي من أين؟ من نهب تاريخ العراق واحرق كل مستندات المواطنة من أوراق ووثائق؟ من عبث بأمن وسلامة أقدم حضارة في التاريخ؟

في مشهد محزن ومؤلم حدث أمام العالم كله في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، تم الاعتراف بأن العراق الشقيق - أحد مؤسسي الأمم المتحدة بفاعلية ومؤسس أساسي لجامعة الدول العربية - أصبح تحت الاحتلال أي أصبح دولة محتلة، والعرب لم تهتز لهم شعرة في شارب وكأن العراق دولة من دول أمريكا اللاتينية لاتعني العرب كثيراً. وكأنهم على يقين بأن ما حل بالعراق لن يؤثر على مستقبل دولهم.

دعني أؤكد لك بأن النظام السياسي السابق في بغداد كان نظاما ظالما طاغيا دكتاتوريا، قل عنه ما شئت لكنه في نهاية المطاف نظام من الأنظمة العربية وشعب العراق من الشعوب العربية فكيف يتم الصمت العربي على ما حل به وما يحل به اليوم وماذا سيكون مستقبله وهل هو نقطة بداية لرسم خريطة طريق للعالم العربي يعدها البيت الأبيض ووزارة الدفاع في واشنطن ويجتمع العرب لإقرارها وتنفيذ مراحلها؟

العالم دخل القرن الحادي والعشرين بطموحات متعددة وعالمنا العربي رد إلى أرذل مراحله، رد إلى عصر الاستعمار والهيمنة ومع الأسف برغبة معلنة من البعض ورغبة ضمنية من البعض الآخر وألصقت به تهمة الإرهاب وأنه بؤرته الرئيسية وصدق البعض وأعلنت الحرب على البلاد والعباد وانشغل الحاكم والمحكوم بهذه الحرب وليست لهذه الحرب نهاية تنتظر.

2 ـ لم يترك لي صديقي الدبلوماسي مجالا لأعلق على ما قال وتابع القول: انظر ماذا يحدث في فلسطين لأكثر من خمسين عاماً والشعب الفلسطيني يعاني من أمور ثلاثة: قيادات فلسطينية مربكة ومرتبكة، أنظمة عربية توعده دون الوفاء بما وعدت، وراح هذا الشعب يعيش على الأمل بدون أمل. ويعاني من خونة بين صفوفه، لهؤلاء الخونة ارتباطات قوية بالعدو، وزد على ذلك معاناة هذا الإنسان الفلسطيني المعذب في كل أقطار العالم العربي، معذب على أبواب الهجرة والجوازات في كل الدول العربية بحثاً عن إقامة له ولأولاده أو بحثاً عن مكان في مدرسة أو تأشيرة لزيارة قطر عربي لحضور مناسبة فرح أو حزن لأحد أفراد عائلته.

قفز الصديق العزيز إلى القول، هل تابعت مأساة الفلسطينيين في ليبيا عندما قذف بهم على الحدود بين مصر وليبيا، عندما وقعت اتفاقية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل "اتفاقية أوسلو" وما تبعها من اتفاقيات، هل تتابع معاناة الفلسطينيين في العراق بعد سقوط صدام حسين وماذا عن معاناتهم في مخيمات البؤس الفلسطينية في أكثر من بلد عربي، ماذا عن معاناة الفلسطيني المقيم في دول الثروة التي لايجد فيها مكاناً لابنه في المراحل الأولى للتعليم بينما يعتبر التعليم حقا لكل إنسان أقرته المنظمات الدولية، ومن قبل أقرته تعاليم الدين الإسلامي.

نسي صاحبي أنه لم يطلب لضيفه قهوة كما جرت العادة، طلبها وعاد إلى الحديث.. تسألني كيف الحال؟ هذا هو الحال وتابع ماذا يجري في السودان؟ صراع لا أول له ولا آخر. لو امتدت يد العرب للمساعدة في التنمية الزراعية والصناعية في السودان ورفعت بعض الأيدي العربية عن شؤون السودان لحلت كل مشاكله دون عناء.

استدار صاحبي نصف دورة وقال دولة عربية خليجية راحت توزع كراساً مطبوعا بلغات متعددة تبين فيه ما قدمته كمساعدات أو قروض ميسرة لبعض الدول العربية، أنا كما قال: أعتبر هذا الأمر تشهيراً بهذه الدولة أو تلك وإنها منّة على تلك الشعوب التي حصلت على مساعدات أو قروض ميسرة، وهذا لايجوز في الأعراف الدولية فما بالك إذا كانت بين دول شقيقة كما يقول حكامنا؟

هذا الكراس الذي عدد مناقب تلك الدولة الواهية لم يتضمن التبرعات الشخصية والرسمية التي قدمت لحديقة الحيوان في لندن لإعادة إعمارها، ولم يذكر التبرع السخي لعلاج الشيتا (قرد كبير) التي أصيبت بحالة اكتئاب شديد . لم يذكر الكراس الموزع مجاناً في كل الدنيا التبرع السخي للمجندة الأمريكية جيسكا بسيارة فاخرة وكمية من المال الوفير، لم تذكر الأموال التي قدمت إلى الرئيس بوش الأب وكذلك الرئيس السابق كلينتون كمساعدة لهما تحت مسمى مساعدات مراكز بحوث، أليست هذه الأموال هي من أموال الشعب العربي المحروم منها أو على الأقل لا يصله منها إلا الفتات؟ ثم يمنون على أشقائهم العرب بما قدموا من قروض بفوائد أو مساعدات مذلة؟

3 ـ كاد صاحبي أن يقفز من أريكته ليقول هل سمعت بالتبرعات والهبات العربية التي قدمت لأمريكا.

الشعب الجزائري تعرض لمأساة نتيجة لزلزال امتد من حدود المغرب إلى حدود تونس راح ضحيته آلاف الناس وهدمت منازل ومدارس ومستشفيات إنها مصيبة تفوق قدرة الجزائر على تحملها وحدها.

يقول محدثي لم أسمع أن مسؤولاً عربياً ذهب للجزائر لمواساة الشعب الجزائري في مصيبته ولاتقديم العزاء للرئيس الجزائري وجهاً لوجه. واكتفوا ببرقيات يبعث بها مدير إدارة المراسم موحدة الصياغة لهذه المناسبة، وبعضهم بعث بعدد من الخيام وبعض الأدوية.

في الجانب الآخر وصل إلى الجزائر كما تقول وسائل الإعلام بعد مرور أقل من خمس ساعات لحدوث الزلزال أكثر من 7 طائرات فرنسية محملة بالمعدات والآلات والأطباء والأدوية وخبراء الكوارث وفرق الإنقاذ ثم تلاه جسر جوي فرنسي بين الجزائر وفرنسا، وعلى رأس هذه الحملة من المساعدة الفرنسية وزراء ونواب البرلمان الفرنسي، وتبرع الفنانون الفرنسين بإقامة حفلات خيرية ريعها يعود للجزائر وكذلك الفرق الرياضية تتسابق في إقامة أنشطة يجير ريعها لصالح المتضررين في الجزائر.

وهكذا فعلت إيطاليا وأسبانيا والبرتغال وكذلك أمريكا التي تبرعت بالمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الزلازل أقول لك بكل أسف إن العرب لم يعد ولاؤهم للعروبة والإسلام إنما هو لأمريكا وإسرائيل.

وأقول لك لو كنت جزائريا لحمدت الله أن العرب لم يقدموا ما قدمه الآخرون للجزائر حتى لاتذكر الجزائر في كراريس المنة والإذلال التي يمارسها ملوك النفط من العرب. (للحديث صلة)

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان