الغلو الديني والغلو المعاكس


Recommended Posts

خرج ابوشلاخ من بيته ووقف على الباب ينظر يمينا وشمالا ...أدخل يده في جيبه ! لا لكي يخرج مفتاح السيارة ؛ بل ليخرج سوطا صغيرا لفرسه الواقفة بالأرض الخالية بجوار بيت والده !

حيث أن ابوشلاخ لا يركب السيارة ، فهو يرى ذلك من المحرمات لأن الدابة (السيارة ) من صناعة اليهود والنصارى ، فمن واجب الولاء والبراء

- كما يعتقد - أن لا يستحلها!

وبعد أن يمتطي صهوة جواده ويعتلي ظهر دابته ، يتوجه للحي المجاور كي يدعو أصحابة للعشاء على مأدبة مقامة مساء هذا اليوم ، وحيث أن ابوشلاخ لا يرى إباحة الهواتف ولا الجوالات ؛ لأن الغرب الكافر يستخدم فيها السحر والشياطين ، فلذلك يضطر للذهاب بنفسه لدعوة الأخرين .

ابوشلاخ رجل بسيط ولكن مزاجه حاد وعنيف ، وهو معروف في حيه للجميع انه لا يخرج كثيرا من البيت ، ولا يصاحب أحدا إلا مجموعة مختارة ومنتقاه ممن هم على شاكلته.

ابوشلاخ يقرأ الكتب بنفسه ، وهو لم يلتحق بالمدارس النظامية لأنه يراها بدعة وضلالة وهو لا يذهب كثيرا للعلماء حيث أن هؤلاء العلماء لا يعجبونه ولا يرتاح لمنهجهم !

ويعود ابوشلاخ للبيت مرة أخرى ، ويغلق على نفسه الباب ويظل وحده ، أو مع زمرته المختارة !

وفي هدوء الليل ، و العالم في صمت رهيب ، والنجوم تتلألأ ، والهلال كأنه زورق نجاة يسبح في الفضاء ، في منتصف الليل ... يضع ابوشلاخ رأسه على الوسادة ؛ ويستسلم للنعاس ، ويغط في نوم عميق ؛ وفي الفجر الباكر يستيقظ ابوشلاخ ، ولكنه يستيقظ بوجه يختلف عن الوجه الذي نام به !

يستيقظ ابوشلاخ وقد تحول إلى انسان آخر !!!

إنه الآن إنسان ديمقراطي ليبرالي تحرري !!

إنه الآن عقلاني !!

ويعشق التحضر والتمدن الغربي !

ابوشلاخ هذا عينة لمجموعة قليلة ؛ ولكنها خطيرة ، حيث أصبحت تلقي بآثارها على المجتمع، وابوشلاخ ليس شخصا بعينه نتحدث عنه بل مجموعة حالات جسدناها وجمعناها وصورناها في حالة واحدة ، هذه الحالة قد تقع من أي شخص .

لكن والأهم ... !

كيف حدث هذا التحول العجيب عند ابوشلاخ؟

ومتى ؟

وهل هي طفرة جينية ؟

أم تطور ونشوء وارتقاء ؟

الغلو ظاهرة تستحق التوقف والتأمل . ليس لأنها ظاهرة غريبة ونشاز فقط ؛ بل لخطورتها على الفرد والمجتمع ، وتتمثل تلك الخطورة فيما يخلفه الغلو من تناقض وتضارب واضطراب في شخص المتطرف ذلك التناقض الذي يهدد ذات الشخص ويهدد مجتمعه بل ودينه الذي سوف يدفع الثمن نتيجة التشويه الذي سيتعرض له على يد هذا الشخص المتطرف سواءا في مرحلة التطرف الديني أو في المرحلة الجديدة مرحلة التطرف المضاد.

والغلو بكل ألوانه مرفوض ، إذ هو في الحقيقة مرض عقلي ونفسي لأنه يمثل مجموعة من الأفكار القاهرة والمسيطرة على عقلية المتطرف أو الغالي .

سنحاول أن نفهم هذه الظاهرة فهما مرتبطا بماضي الفرد وعلاقته بحاضره ومستقبله ،ومدى تأثير هذا الغلو الديني على الغلو اللاديني والعكس كذلك .

ما معنى الغلو والتطرف ؟

وماهو التطرف الديني والتطرف المضاد ؟

وهل يتحمل الدين مسؤولية التطرف ؟

الغلو / هو تجاوز الحد ، والغلو في الدين هو التشدد والتصلب .

والتطرف / تجاوز حد الاعتدال والتوسط ، والركون إلى أقصى الأطراف .

يعرف شيخ الإسلام - رضي الله عنه - الغلو فيقول :

( مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء ، في حمده أو ذمه ، على مايستحق ونحو ذلك )

والتطرف الديني / هو مجاوزة الحد الشرعي للدين سواءا في العبادات أو في العقائد فالشخص المتطرف في العبادات تجده يتشدد على نفسه في أمور ليست من الدين كأن يحرم الزواج ، أو أكل أطايب الطعام ، أو يحرم طلب الرزق ويؤثر التبتل الدائم المنقطع عن الحياة وعن الناس ، يحرم على نفسه جميع منتجات الحضاره كالسيارات والهواتف وغيرها ، هذا بالنسبة للتطرف في العبادات ، وأما التطرف في العقائد ، فهو يكفر من يخالفه في رأيه ولو كانت المسألة فرعية ، يعادي الجميع ويكفر المجتمع بل ويتعدى إلى إيصال الأذى للآخرين ، بل ويلعن علماء الأمة بأسرها ، ويكفرهم ويعاديهم بسبب - كما يتوهم خاطئا - مهادنتهم للسلطة ومداهنتهم .

والتطرف هذا ليس حكرا على دين بعينه بل ولا على فكره أو مذهب أو اطروحه ، فالتطرف والغلو موجود في كل مجتمع ودين ، فهناك التطرف اليهودي ؛ والمسيحي ، والتطرف الشيوعي ، والتطرف العلماني الليبرالي ، والتطرف القومي ... وهكذا في كل أمة تطرف.

والتطرف المعاكس / هو ردة فعل وفعل مضاد ، وتحول من التطرف الديني إلى التطرف ضد الدين ولواحق الدين وأتباعه .

ونود أن نبين أن الدين نفسه لا يتحمل مسؤولية التطرف أو المتطرفين ، لأن التطرف ليس نابع من ذات الدين وتعاليمه - كما سنبين ذلك - بل نابع من خلل عند المتطرف ، وحقيقة التطرف معاكسة لحقيقة الدين الإسلامي ، وهناك فهم خاطيء للمتطرف – كما تفعل بعض وسائل الإعلام - حيث جعل المتطرف هو ذلك الرجل الذي يحب الدين ويطبقه كما هو بسننه وفرائضه وولاءه وبراءه كما أراده الله سبحانه وتعالى ودعى إليه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .

فخلط المفهوم الشرعي ( للغلو والغالين ) بالمفهوم الصحفي الإعلامي ، فصار يطلق لقب التطرف والغلو على من يطبق السنة ويتبع السلف الصالح !! ونحن لا نعني بالغلو إلا المفهوم الشرعي الذي هو تجاوز الحد الشرعي في العبادات أو العقائد ، ولذلك فنحن في مقالنا هذا سنستخدم مصطلح ( المتطرف ) ونعني به ( الغلو ) بمفهومه الشرعي .

إذاً الشخص المتطرف شخص لا يقبل الوسطية ولا الاعتدال ، فهو دائما يشط ويحيف نحو الأطراف سواءا كانت لليمين أو لليسار ، فالتحيز نحو الطرف القصّي طيبعة مركوزة في نفسيته وعقليته .

ومن تلك المقدمه الصغيرة والقصيرة ندلف إلى موضوعنا :-

(الغلو الديني والغلوالمعاكس) إن من يتأمل شخصية ذلك المتطرف يجد خللا واضحا عنده في طريقة التفكير وطريقة التحليل وطريق العمل والأداء ، وكل ذلك راجع إلى خلل نفسي أو عقلي نتيجة ترسبات اجتماعية أو اقتصادية او شخصية .

والتطرف ( سواءا لليمين أو لليسار ) ليس نتاج قراءات دينيه أو اجتهادات فكرية تمخضت في النهاية عن اطروحة الغلو والتطرف ! كلا ... بل هي نتاج أزمة نفسية اجتماعية عقلية ، حرفت الشخص عن طريق التوسط والاعتدال الى طريق الغلو والتطرف والتشدد والتعنت .

هناك قانون فيزيائي جميل جدا - اعتبره شخصيا - المفتاح لشخصية كثير من الغلاة والمتطرفين من اصحاب الطرف والغلو المزدوج والمعاكس.

يقول هذا القانون sad.gif لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه ) نعم ... لكل غلو ديني غلو معاكس في الاتجاه وبنفس درجة الغلو والتطرف ، فالغالي لا يرضى بالوسطية ولا يحس بالأنس وعدم الوحشة إلا في الزوايا المتطرفة الضيقة ! وإذا أردنا أن نخطو خطوة نحو فهم أكثر لظاهرة ( الازدواجية المتطرفة – التطرف الديني ونتيجته التطرف المضاد ) فمن الواجب - الأدبي - أن نتلمس صفات التطرف الديني وكيف يكون سببا للتطرف المعاكس .

ومن صفات المتطرف ما يلي :

(1) ضعف البصيرة بحقيقة الدين .

(2) التشديد على النفس والإسراف في التحريم .

(3) الاختلال النفسي ، والنزوع العقلي للمتقابلات والمتضادات .

(4)المتطرف شخصية تستجيب لردود الأفعال .

(5) الاعتداد الزائف بالذات الى درجة الاستعلاء .

(6) التفكيرالذري .

تقبلوا تحيات

ابو شلاخ الحرماوي

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان