خطب الجمعة لشهر رمضان المبارك لعام1429هـ

الحمد لله بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أنكم في شهر رمضان شهر القرآن قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هذى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) في شهر القرآن ينبغي الإكثار من تلاوة القرآن والإقبال عليه وأن ندعو الله أن يرزقنا حبَّ القرآن فندعو بالدعاء الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ( ما قال عبدٌ قط إذا أصابه هم أو حزن : اللهمّ إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همَّه وأبدله مكان حزنه فرحاً ) قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات ، قال : ( أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن ) حديث صحيح .

فعلى من يحسُّ في نفسه جفوة من القرآن ويشعر بالضيق والهمّ وتوالي الأحزان أن يدعو بهذا الدعاء فإنه بإذن الله سيقبل على قراءة القرآن وستنجلي عنه سحابة الهم والأحزان .

وعلى قارئ القرآن أن يستحضر أهداف قراءة القرآن وهي :

1ـ أخذ العلم .

2ـ والعمل به .

3ـ ومنا جاه الله .

4ـ ونيل الثواب .

5ـ وحصول الشفاء بإذن الله .

فالهدف الأول قراءة القرآن لأجل العلم وهو المقصود الأعظم من إنزال القرآن قال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب )

والهدف الثاني قراءة القرآن بقصد العمل به فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئ أصحابه العشر آيات فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل فتعلموا القرآن والعمل جميعاً .

ويقول الآجُرِّي ( يتصفح القرآن ليؤدب نفسه هِمّتُه متى أكون من المتقين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى أكون من الصابرين ؟ متى أزهد في الدنيا ؟ متى أنهى نفسي عن الهوى ؟ وسئلت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالي ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ما كان خُلق رسول الله ؟ فقال : كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه .

الهدف الثالث : قراءة القرآن بقصد مناجاة الله تعالى لأن القارئ يقرأ خطاب الله إليه وهو عندما يقرؤه يستمع الله إليه ( فقد خرج رسول صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلي يناجي ربه عزوجل فلينظر ما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ) وفي استماع الله لقارئ القرآن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ما أذن الله لشيء ما أذن ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن ) ومعنى أذن استمع .

الهدف الرابع : قراءة القرآن بقصد الثواب فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ( الم ) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )

الهدف الخامس : قراءة القرآن بقصد الاستشفاء به قال تعالى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشهوات والشبهات والوساوس كلها القهري منها وغيره وشفاء للأبدان من الاسقام فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصُل له الشفاء بإذن الله تعالى .

فعلى المسلم الذي يقرأ القرآن أن يقرأه وهو يتمثل هذه الأهداف الخمسة وسيتحقق له من عظيم الفائدة بقدر ما يتحصّل له من تحقيق هذه الأهداف .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...