ياولد .. تبوون خبز


ابو فيصل

Recommended Posts

ياولد: تبوون خبز...

* ربما كانت هذه العبارة من العبارات الشهيرة التي تتردد في بعض بيوت السعوديين، خبر تعبير عن انهماك الرجل السعودي في شؤون أسرته لدرجة أن يقف عند الباب الخارجي كلما عَنّ له الخروج، ليصرخ بأعلى صوته: (يا ولد تبون خبز)؟

حسنا فالخبز ليس إلا جزءاً من مسؤوليات الرجل، الذي لو لم يحضره لتضور أفراد اسرته جوعا ذلك المساء.. وهذا قد يكشف حجم تغلغل مسؤوليات الرجل السعودي من حدود القرارات الكبرى في شؤون العائلة التي عليه ان يبت فيها إلى المسؤوليات التنفيذية لجلب الخبز لأفرادها! ولكنه ايضاً تعبير شعبي يشي عند كثير من النساء (الخبيثات) بمدى تراجع حضور ذلك الرجل الى حدود السور الخارجي للمنزل والصراخ عند عتبة الباب الخارجي وهو يعض طرف ثوبه ويعلن براءته من التقصير (يا ولد تبون خبز؟).

ربما كانت تلك الصورة (الكاريكاتورية) محرضاً جيداً للوقوف على استشكال اجتماعي يهرب منه الجميع، ولكنه يلاحقهم كضلالهم.. وربما إلى آخر ساعة من أعمارهم.. حدوده هذا المنزل الصغير الذي تنمو فيه هذه الأسرة وتتشكل فيه القيم والمفاهيم والعادات الأولى لأفرادها.. ولكن من المحظور بمكان أن تنقل تلك التوليفة القيمية ـ المفهومية توتراتها إلى خارج هذا المنزل.. حيث ساحات المجتمع الكبير الذي حتماً يتأثر بكل التوترات عندما تُهدم أركان ذلك السور.. ولكنه يحجم عن نقاشها ـ أي المجتمع ـ أو ادارة حوار جاد حولها وهي تفرز آليات تلك العلاقة الوجلة والضيقة والمختزنة في تابوت من صمت العادة والتقليد ومن جمود العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمع محافظ الى درجة الصمت القاتل الذي يحسنه الرجل وقد تتقبله المرأة صاغرة طائعة وقد يدينه الصغار عندما يكبرون ويكتشفون كم كانت جناية أهلهم عليهم كبيرة وقاسية ومؤثرة في حياتهم.

عندما تختصر علاقة المرأة بالرجل بـ (يا ولد تبون خبز؟) فلا تنتظروا من الجيل القادم ان تختلف نظرته الى هذا الكيان ـ المرأة ـ فهي لا تعدو ان تكون (ولد).. في عرف الذين درسوا في الجامعات وفتحوا عيونهم على التلفزيونات ووسائل الإعلام المختلفة.. وربما كان هناك تطور محمود فبعد أن كانت المرأة (هيش) ها هي تتقدم في سلم الرتبة الاجتماعية لتصبح (ولد).. فطبن ايتها النساء بلقبكن الجديد.. ولكنه لقب فحسب، لن يتح لكم امتيازات (الولد) ولو صعدتن الى المريخ.

يقولون إننا نعاني من نسب مرتفعة في الطلاق ـ تصل الى حدود 30% من نسبة الزيجات ـ وهي نسب مخيفة.. لكنها يبدو أنها لا تخيف هذا الجيل ـ محترف الطلاق ـ على انه يفترض ان يكون اكثر وعياً بأهمية الحياة الأسرية، وأكثر قدرة على التجاوب مع حاجات الطرف الآخر.. وعندما تتحول اللغة الأسرية الى (ياولد تبون خبز، يا هيش حطوا الغداء، جعلكم للبلى ما خليتوني أنام)،.... بالإضافة الى بعض الموروثات الأثيرة (طق المره بالمره والبل بالعصى) وغيرها.. فنحن نتحول شئنا أم أبينا من مخزون ثقافي ربما كان فيه ما يهمش المرأة ويتجاوز ادوارها الحيوية.. الى استعادة جامدة لموروث نحتفظ فيه بقلوبنا وندرجه على ألسنتنا متى شئنا أو حاولنا ممارسة بعض النزعات السادية حول هذه المخلوقة المخيفة/ المرأة.

يقولون ان المرأة السعودية لا تعطي الرجل ما يريد.. وقد لا تشبع حاجاته العاطفية والغريزية وبعضهم اشقانا بمقارنات هزلية/ شكلانية مع نساء الجوار العربي.. وبعضهم لا يطرب له الحديث الشيق عن النساء ـ وأحيانا في حضرتهن ـ الا عندما يفتح عينه على قنوات لبنان الشقيق.

ذات يوم قالت احداهن في حديث عن علاقات الرجل بالمرأة... كيف تتشكل تلك العلاقة وتتبلور في مجتمعنا.. والى منظومة معرفية يمكن استدعاؤها تنتظم فيها حدود تلك العلاقة المفهومية.. ولماذا يزهد الرجل بالمرأة السعودية ويهيم بالأخرى.. الى حدود التصنيف العنصري الضيق الذي يبدأ من تقاطيع الجسد، ولا ينتهي بمرسول الحب الى معدة رجل جائع لكل شيء...

قالت كيف تريدون من المرأة أن تكون عاشقة في المساء، وهي تشعر بامتهان كرامتها منذ الصباح.. كيف تريدونها طروباً لعباً ضحوكاً.. وأنتم لا تكادون تبتسمون في وجهها.. كيف تريدونها أنيقة، لافتة، تهتم بتفاصيل حياتها الصغيرة والكبيرة وأنتم لا تكادون تبالون بمعاناتها ومتاعبها وحاجاتها.. كيف تريدونها متحدثة لبقة، وجليسة أنيسة وأنتم تكادون تنتمون الى قبيلة الصمت في بيوتكم.. الذي يصبح فضيلة قصوى داخل الغرف الباردة المظلمة، برودة مشاعر ميتة في شتاء قارص وبيل. بينما لا تكادون تصلون الى خارج أسوار منازلكم حتى تنطلق ألسنتكم بالصياح المعتاد (يا ولد تبون خبز؟) كيف تريدونها متهدمة، جذابة، وأنتم تظلون طيلة النهار (بسروال وفنيلة علاقي) ولماذا تكثر حالات الطلاق الى هذا المستوى؟ أليس هذا مؤشراً على توافق لم يتم؟ لماذا على الرجل أن يقرر ببساطة أن زوجته لم تعد تصلح له، بينما تكاد تموت من دهشة الصمت لأنها اعجز من أن تقول ان هذا ليس برجل انه من انصاف الرجال فحسب او اشباههم سيان.

إلا أن هذا الرجل ايضاً لا يعدم أن يصرخ بملء فيه... انه كثيراً ما كان الضحية ولم يكن الجلاد... إنه يشعر باستلاب رجولته، في زمن النساء الخاليات.. خاليات المشاعر، خاليات القلوب، ما ان تعرف الواحدة منهن طريقا للخروج حتى تستغني عنه بممارسة عادة الاستهلاك الشره حتى الادمان.. وما أن تعرف الواحدة سبيلاً للأمومة حتى تتصور ان مهمتها القديمة انتهت بالحضانة الجديدة.. وما أن تعرف لها وسيلة للاستقلال الاقتصادي حتى تتنازل عن الحب الذي طالما بحثت عنه في زوجها وشريك حياتها.. اما الجهل بالمقومات التي تضفي الدفء في الحياة الزوجية، فهي آخر ما تعرفه بعض النساء المتعلمات ـ الجاهلات.. انهن نسخة مشوهة عن بعض نساء الماضي.. فإن كن أولئك صابرات محتسبات على شظف العيش وسوء الحال.. وقلة الوعي.. إلا أن هؤلاء لا يعرفن حديثا مع الزوج الا عبر لغة (جب.. هات) أو تحسبونه إذا وقف عند السور يصرخ بأعلى صوته (ياولد: تبون خبز) مغرم بالخبز والمخابز.. انه لم يعهدها سوى ناطقة بمتطلبات لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.. وقد لا يعهد في ذريتها سوى اخراج متعجل من هذه الحياة الأسرية التي لا تعرف من حديث الأبناء للآباء سوى مصطلحات (هات.. جب.. ود.. رح) في سباق يومي مع متطلبات لا تنتهي.. حتى يلفظ آخر يومه بين جدران باردة تلتهم ما بقي له من رجولة.. وما يبحث عنه من دفء. كما انها قد تبدو ـ أي الحياة الزوجية ـ حصارا لا ينتهي لرجل فقد حريته منذ أن طلق عزوبيته.. انها قد تبدو سجناً كبيراً، سجانه امرأة لا تعترف بأن لهذا الكائن وجودا خارج أسوار منزله.. في تغييب كبير لدور الرجل خارج أسوار الأسرة، وفي عزل اكبر لحقوقه في التنفس خارج المألوف أو المصطنع. انها لا تراه سوى شبيها بزوج قريبتها أو صديقتها أو أختها.. في تشويه مقصود وغير مقصود لأحقية الإنسان في الاختلاف في طبعه ومزاجه وحاجاته وقدراته.

إن الطلاق البغيض لم يكن ليقع لولا ان هناك خللاً كبيراً، يلزم الكشف عنه، ليس على طريقة (ما حبيته أو ما حبيتها).. تلك التي لا تحتاج أكثر من كلمة مكونة من بضعة احرف تذهب ضحيتها في الغالب امرأة عاجزة عن اكتشاف حجم السواد في مستقبلها، هذا إذا كان ثمة مستقبل لها. وقد يدفع ثمنها أطفال ابرياء، تستحق براءتهم ويلات الطلاق وتشوه حقوقهم الطبيعية في النشأة السليمة نزعة الانفصال.. إن المشكلة أكبر من كلمة تقال هنا وهناك.. انها حيث النسيج التربوي الذي يتمزق اليوم وهو ينتج فتيات لا يعرفن من الحياة سوى تقاطيع الموضة وتقاسيم الجمال وآخر مستلزمات التلوين والتزويق.. وربما آخر ما يفكرن فيه معنى الزواج، وشروط ديمومته، وحاجات الزوج لبقاء شعلة الحب قائمة لا تنطفئ.. كما انه ينتج فتيانا لا يعرفون معنى للعفة ولا لكرامة المرأة.. ويتصورون انهم (دون جوانات) عصرهم.. ويتلذذون بكل وصل جديد ولو على حساب كرامة الانثى وكرامة المجتمع.

هناك خلل نعم، وقد يستفحل، وإن ما هو غير مرصود كحالات انفصال رسمية، هو الأعظم والأكثر سواداً.. إنه هناك في بيوت كثيرة، تعيش الانفصال الحقيقي غير المعلن.. حيث برودة الحياة كبرودة الموت.. وهو ما يجعل الحياة الأسرية للكثيرين ليست سوى عبء ثقيل وأمر مقدر مكتوب فحسب.. للصابرين مثوبة الصبر.. وللعاجزين الرأفة والرحمة من الله الذي يعلم بحالهم ويلطف بمآلهم.

لا توجد حلول سهلة وسريعة وفاعلة.. إلا اذا اقتنع الإنسان الفرد بأن الزواج ليس ليلة الدخلة فحسب.. وليس ذرية فحسب.. وليس خدمة للزوج فحسب.. انه اكبر وأعظم من ذلك.. انه حياة قد تكون رومانسية لأبعد الحدود تلتهم بجنون لحظات اللقاء بين الرجل والمرأة.. انها خلطة كيميائية تجعل الرجل اذا اشتهى انثى فلن تكون سواها، واذا عصفت مشاعر الشوق في صدرها استقبلتها بحنان وجنون لواعج الشوق في صدره.. انها حياة رفقة جميلة تجعل منهما رفيقين سعيدين بهذه الرحلة.. حتى أيامهما الأخيرة.. انها حياة تزدهر فيها الثقة ويقوى فيها الحب وتحلل بقدر كبير من الاحترام.. انها حياة تقوم على الدفاع المشروع لكليهما عن حق الآخر بالحياة ضمن أسوار الزوجية.. وخارج أسوار الزوجية في رحاب الحياة الواسع التي يجب أن تعني لهما الكثير.. وان لا تختصر حياتهما في برامج البيت والأسرة الصغيرة فقط.. ان جزءاً من متع الدنيا ان يؤوب كلاهما من مواقع الحياة الاجتماعية الزاخرة بالعمل.. الى بيت الزوجية.. دون أن يكون أي منهما رهين المحبسين.. محبس الدار ومحبس الحياة الصغيرة ذاتها.

أو تحسبون تلك أماني، قد تكون.. إلا أنها قد تكون ثمرة لقاء مناسب، ولن تُقدر تلك المعاني الا برصيد ثقافي كبير يتحرك ضمن سياق اجتماعي يؤمن بحق الإنسان بحياة تستحق الحياة، ويدرك معنى أن تكون رفيقاً سعيداً.. هانئاً.. حراً.. لا رقيقاً بين يدي رباط مقدر اسمه الزواج فحسب.

عبدالله القفاري

رابط هذا التعليق
شارك

فعلا اصبت كبد الحقيقه بحديثك

نعم نحن نعاني من تهميش الرجال للمرءه وو التقليل من قيمتها مع ان االاسلام لم يذكر لا في الكتاب والسنه افعالهم تلك وووقولهم انه من يذكر اسم زوجته فأنه ليس برجل اين نحن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اشكرك

مقاريدوووووووووو

تم تعديل بواسطه مقـروده
رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان