ضب في المدرسه


المعلاق

Recommended Posts

يقول الخبر إن «ضباً» تسلّل إلى مدرسة ابتدائية في الجبيل(شرق السعودية)، وإنه أثار بَلبَلة وارتباكاً بين جموع الطلاب والمعلمين، حتى تمكن «فارس» ابتدائي مِقدَام من السيطرة على الموقف. لا أذكرُ اسم المدرسة، وكان الخبر مُقتضباً، فلم يتضمن تفاصيل كثيرة عن الموضوع. لكن جوهر القصة -وباختصار- هو أن «ضباً» تسلل إلى مدرسة ابتدائية. أثار الموضوع المقتضب -الطريف- خواطر عديدة في ذهني، حول «الضب» و«المدرسة» وأشياء أخرى كثيرة: هل ضلَّ «الضبُّ» طريقه إلى المدرسة، أم أنه كان يقصِدُها عن سبق تخطيط وإصرار وترصد؟ أية ريح، أوغاية أخرجته من جحره، ونحن نعلم أننا في بدايات فصل الشتاء، حين يُوشِكُ زمان «البيات الشتوي» أن يبدأ، فتركنُ «الزواحف» -وأقاربها- إلى «الجحور» و«المغارات» و«الثقوب» أو حتى الحفر الرملية؟ هل هو «ضبٌّ» عجوز -ضَعُفت حواسه- وفقد القدرة على معرفة الاتجاهات، وأهمله أبناؤه، وأحفاده، والمعنيون به فقادته أقدامه الضعيفة، المتهالكة متعكزاً على «عُكرة» ذيله إلى المدرسة يطلب حناناً، وعطفاً وسكينةً افتقدها في عالم «الضبّان» العاقين؟ هل هو «ضبّ» طفلٌ صغير.. ضالٌ، انفصل عن أمه وإخوته أثناء رحلة تسوّق، أو نزهةٍ في حديقة عامة بينما هم مشغولون عنه بـ «طق» الحنك وأكل «الفصفص»؟ هل هو «ضبٌ» مراهق شقي، انفلت عن «رقابة» أهله، فقادته أقدامه إلى حيث «المهالك» المحتملة، أو المؤكدة؟ هل هو «ضبٌّ» جاهل؟ هل هو «ضبٌّ» فضولي.. مغامر؟ هل هو «ضبٌّ» أجنبي هارب من «كفيله»؟ هل هو «ضبٌّ» «متخلف» يبحث عن مكان يختفي فيه، أو ينتظر «تسوية» أوضاعه؟ هل هو «ضبٌّ» متسوّل، متشرّد يبحث عن مأوى يقضي فيه شتاءه؟ هل هو «ضبٌّ» هارب من كيس صيّاد، أو «عراوي» بائع؟ لماذا يتسلل «ضبٌّ» مجهول الهوية، غامض الأهداف إلى «مدرسة» في «الجبيل»؟ ولماذا لم يتسلّل إلى مدرسة ثانوية، أو إلى جامعة الملك فيصل، أو جامعة الملك فهد للبترول والمعادن؟ وإذا كان ضباً عالماً بمراحل التعليم وتسلسلها، فهل أتى من «حضانة» أو فصل تمهيدي في مدرسة خاصة؟ أمرٌ محير حقاً. ولكن ها هنا «ضبٌّ» ترك الصحراء وسافر المسافات، وقطع الشوارع المليئة بالسيارت الجارفة، المهلكة، وخدع الصيادين، والصبية وغافل الحراس والمارة؛ لكي يصل إلى مدرسة ابتدائية، فيقتحم فناءها، ويفرض وجوده على الطلاب والمعلمين، والإدارة. خطر ببالي، أننا نعيش في زمن بهيج لفح فيه الشوق إلى «المعرفة» كل كائن حي، حتى إنه أخرج الضب من جحره، يطلب علماً. وخطر ببالي أن الناس «المتحضرين» أزعجوا صحراءنا البريئة بالتفحيط، وإلقاء المخلفات، من بقايا طعام وزجاجات بلاستيكية، «وكراتين» و«حفاظات».. إلخ. فقررت «الضبان» أن تهجر حتى جحورها. وتخيلت «الضب» المذكور حزيناً دامعاً، وحيداً كهندي أحمر مكتئب خارج لتوّه من مستوطنة هندية.. ملوّثة؟ وخطر ببالي أيضاً -ولنكن صُرحاء- أن «الضب» المذكور كان يظن أن المدرسة هي جُحره. ولو أنني لا أعلم أن مدارس «الجبيل» هي مدارس حديثة مؤهلة نظيفة وليست من المدارس القديمة، المتهالكة المتآكلة المستأجرة لكنت انجرفتُ مع «خاطرتي» السيئة. وأملي كبير في وزارة المعارف أن تتخلص قريباً من أية مدرسة تشبه تلك الجحور. لا أعلم ماذا حدث لــ«الضب» الشهير! هل احتجزوه في غرفة «العلوم»؟ هل صادره المدير؟ أم أخذه «الفارس» الصغير إلى بيته؟ هل أعدّوا به طبخة «ضب» شهيرة؟ أم كان هناك وعيٌ بيئي وشفقة حيوانية أطلقاه إلى صحرائه ثانية، ففرح بــ «عودته» الأهلُ والأصدقاء والمحبون؟ لا أدري.. ولا أعلم.. وأرجو المزيد من «التفاصيل». ولكنني علمتُ: أن «ضباً» زار ذات يوم مدرستنا، وكان حدثاً مثيراً تحدث أطفالنا الصغار به، وحدّثوا به أهلهم عند عودتهم، وكم كنت أود أن أشاهد تلك العيون البريئة وأسمع «وصوصاتهم».. وضحكاتهم.. وهم يستقبلون في مدرستهم، القادم الغريب.. العجيب !

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان