عبدالله الماضي وكتابه (خواطر وأحاديث للأبناء)


Recommended Posts

عبدالله الماضي وكتابه (خواطر وأحاديث للأبناء)







قاتل الله الوظيفة فكم من أديبٍ كفّت يده عن الكتابة وشغلته عن الإبداع في دنيا الأدب وسماء الثقافة. قلت تلك الكلمات بعد أن أنتهيتُ قراءة كتاب الأستاذ: عبدالله بن عبدالمحسن الماضي. والذي اختار له عنوانا (خواطر وأحاديث للأبناء) لم أكن أعرف أن أباعبدالمحسن لديه ذلك القلم السيال الذي يتدفق سلاسة وعذوبة، هذه السلاسة والعذوبة تقترن بمخزونٍ كبير من التراث العربي شعرا ونثرا، ناهيك عن معين لاينضب من التراث الشعبي المتنوع مابين شعر وحكمة وقصة.

التقيت به صدفة بدون معرفة ولا موعد في وليمة فخطَّ بخطه الجميل وأسلوبه الرائع إهداءً عَطِراً لهذا الكتاب. والذي كنت أظن كتابه هذا مثل كثير من الكتب التي يكتبُها بعض المسؤولين بعد تقاعدهم. فهي لاتعدو أن تكون ذكريات ومذكرات وما شابه ذلك. لكنني وجدت أن مسؤولية الوظيفة التي كان يتسنمها الأستاذ عبدالله كانت قيداً يحول بينه وبين التفرغ للكتابة، فلما حُلَّتْ تلك القيود بدأتْ مؤلفاته تخرجُ تباعاً. وكان أولها: مِن ذاكرة الزمن. ثم اتبعه هذا الكتاب الجميل، الذي رسم في خواطره وأحاديثه حالته في طفولته وكهولته التي يحلو له أن يسميها شيخوخة. فهو يقول في إحدى خواطره:... هذا الشريط الزمني منذ مايزيد على ستة عقود مضت حينما كان يمشي على قدميه الحافيتين وعندما كانت ظروف المعيشة متدنية وفي وقت الانكسار المعنوي الذي كان يعاني منه في ذلك الزمن. اهـ

ورغم هذا البؤس والمعاناة إلا أنه لاينسى ماهو جميل في ذلك الزمان، فيردف قائلا:... في ذلك الزمن الذي امتاز بالطهارة والنقاءِ والقيم الجليلةِ والأعراف النبيلة.اهـ

إن سبب ذلك الانكسار الذي يعانيه هذا الصغير هو اليتم، حيث فقد والده وهو في الثانية من عمره، ونجده يصرخ في الخاطرة الثانية والأربعين قائلا:.... يتيم فقد أباه ولم يعهِ فتكالبت عليه الأحزان والأشجان وقلة الحيلة وذات اليد. إنه ينظر إلى من حوله لهم أباءٌ فأين أبي؟ اهـ

إنه حنين الكهل إلى والده الذي لم يره ولم يعرفه. فما سبب ذلك الحنين؟ وما الذي دعاه أن يقصد مقبرة المرقاب في الكويت علّه يجد قبر والده؟ إن فقد الأب لايعادله فَقْدٌ، فهذا الطفل يرى الحياةَ تُزْهر لغيره لأنّ عندهم أباء. إنه يرى في والده حمايةً ووقايةً وإنعاماً وتفانٍ في تذليل سبل العيش الكريم له،خاصة في مجتمع فقير بل مُعدم. ولذلك يقول مواصلا:.. قلتُ ياوالدي ماقلتُ وأنا على يقين مِن أنه لو أبقاك الله حيًّا لما بخلتَ علينا بشيء، ولبذلت في سبيلنا كل التضحيات ولجدت علينا حتى بالذات.اهـ

إن هذا اليُتم الذي عاشه وحالة الانكسار المعنوي هي التي خلقت لنا في إهابه رجلاً عصامياً شق طريقه بنفسه، معتمدا بعد الله على ذاته ومواهبه وصبره، غير مبال بما يواجهه من الصعاب التي تحيط به بل وتُحْبطه. كما أن تلك الظروف القاسية جعلته يحس أيَّما إحساس بحاجة الضعيفِ إلى إنسان قوي يسانده ويساعده في تلمس طريقه، ويزيلُ عنه الانكسارَ والهمومَ التي تقوده إلى الإحباط، ومن ثم الفشل والتعثر في مسيرته الحياتية. فكان أباعبدالمحسن حسب ماعرفتُ من كثيرٍ ممن يعرفونَهُ ويخبرونَهُ دائما مايمد يد المساعدة والمعاونة لمن يحتاجها، وكان الغِياث لكثيرٍ ممن قذفت بهم سبل الحياة إلى مزالق الردى. وهي صفة فيه منذ كان شابا وقبل أن يتسنم منصبا حكوميا. ولكني وجدت أن السيد الحكيم - وهو اسم سماه به الأديب الشاعر عبدالله بن إدريس - قد أثر فيه أثراً بيّنا قلةٌ ممن قدم لهم يد المساعدة فكانوا جاحدين لما أسداه من معروف، منكرين لما له من فضل.وقد جعل السبب في ذلك الحسد الذي يأكل نفوسهم .وعَنْوَن لإحدى خواطره ب: الحسد والغيرة. وهو حقٌ. فإنك مهما قدمتَ لهذا الحسود من معروفٍ فإنه سيُحِيل المدح ذماً، والدعاء شكوىً وقدحاً، فيكتوي المُنْعمُ بنار ذلك الحاسد الجاحد. وهو يعبر عن ذلك بالمصيبة في خاطرة أخرى فيقول: ...ولكن المصيبة هي أن تصنع معروفاً وتسديه إلى شخصٍ تحسبهُ من أهلِ الخير فإذا هو لئيمٌ حاقدٌ، يُجازي الإساءةَ بالإحسان، كنتَ تحسبُه خِلاً خليلاً فإذا هو خائنٌ غادر.اه

ولا أشك في أن هؤلاء قِلة ممن بدلوا الحمد والشكر سخطا وتنقصا وذما. وأظن الكثرة الكاثرة كانوا له شاكرين مثنين على صنيعه. ودليل ذلك سيرته العطرة التي لم تأت من فراغ.

إن إبليس أعاذنا الله منه لم يعص الله لشهوة ولا لرغبة بل لحسدٍ استولى عليه فلم يسجد لأبينا آدم كما أمره الله تعالى فطُرد وصار شيطانا رجيما وابتلى اللهُ بني آدم به.

إن تلك التأملات والخواطر تصدر ممن خبر الدنيا واكتوى بنارها وذاق حلوها ومرها، لذلك كانت قيمتها أكبر وأثرها أبلغ وأشمل. فإن كثيرا من الناس يعيش السنين الطوال ولكن إن فتشتهم فهم خواءٌ، لاحكمةٌ عرفوها، أو عبرةٌ سطَّروها يستفيد بها من حولهم، وتُبْقِي ذكرهم. ولكن تلك الحكمة والدراية تكون ممن اكتملت عقولهم،وأكثروا من التأمل في أحوال الدنيا والناس، وعاشوا حياة فيها شقاءٌ وعناء، مثلما فيها سعادة وهناء، وشقوا طريق الحياة بأنفسهم غير معتمدين على مجد مؤثلٍ، ونسب مورَّثٍ، وأموال مُكدسةٍ، فتكون النصيحة منهم صادقة توافق مقتضى الحال، وتكون الحكمة مصيبة للهدف. فتكون والحال كذلك خير معينٍ لمن يلتمس طريق الحياة الصعب. وكتاب السيد الحكيم أبي عبدالمحسن (خواطر وأحاديث للأبناء) خير مثال أضعه على ماذكرت. فبين دفتيه حكمٌ وتجارب وتأملات ونصائح نُقِلتْ من مدار التفكير إلى حيز الورق. يجد فيها القارئ المتمعن عصارة التجربة والخبرة، ودقيق الفهم الاستنباط.

لقد لفتْ نظري الكثير مما قرأت ومنها قوله في الصفحة التاسعة عشرة: والأحسن أن نتذكر دائما أن ثمة أباء يعينون على البر وآخرون يعينون على العقوق.اهـ

إنه قولٌ جميل وحكمةٌ صادقة. ولأجل هذا جاء دين الإسلام دين سماحة ويسر، ولن يشاده أحد إلا غلبه. فكذلك البر والعقوق بينهما شدة الوالدين وتسامحهما.

إن الإحاطة بما في هذا الكتاب الذي بلغت صفحاته 253 صفحة مما يُطيل المقام، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. وهي إلماحةٌ سريعة تعرِّف بالكتاب وتنزله مكانه الذي يستحق. وقد آن الأوان أن أضع بين يدي القارئ إضاءات سريعة.

الإضاءة الأولى: أسلوب الكاتب أسلوب سلس سهل منقاد، ومعانيه قريبة المأخذ والفهم. مع ترابط الأفكار، وانتظام المعاني، وحسن الاستشهادن فالاستشهاد يأتي في مواضعه المناسبة، فلا يحس القارئ بتنافرٍ بين الفكرة والشاهد، سواء كان أبياتاً شعرية أو حكمة أو مثلا.

الإضاءة الثانية: مسحةٌ من الحُزن تظهر في مواضع كثيرةٍ من الخواطر، ولن أقول مسيطرة. لأن في ثنايا الكتاب ارتسامات ابتسامات تبدو جلية ظاهرة. ولعل ذلك الحزن نابع من طفولة الشيخ عبدالله. التي طوّحت به في دنيا اليُتم، فاستعاض عن والده بمجالسة كبار السن، وترك أقرانه في لهوهم ولعبهم. فأصبح تفكيره وتأمله في مايحيط به كبيرا فأهمَّهُ. وقديماً قال المتنبي:

ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ
وأخو الجَهالةِ في الجهالةِ ينعمُ
ويقول شاعر آخر:

ذو العلمِ يشقى في النعيمِ بعلمهِ
وأخو الجهالة في الشقاء مُنََعَّمُ
لوكنتُ أجهلُ ما علمتُ لسرَّنِي
جهلي كما قد ساءنِي ماأعلمُ
وهي لاشك سمة الإنسان المبدع المفكر. ولولا التفكير والتأمل لصار الإنسان كالحيوان.

الإضاءة الثالثة: يتشابه الكتاب في بعض خواطره بكتب المذكرات. وإن كان الأستاذنا الحكيم أراد عكس ذلك، فهو قد أخفى كثيرا من الأسماءِ ممن وردتْ لهم قصصٌ. فقد تحدث في إحداها عن أخٍ له ولم يصرح بذلك. بل عمد إلى الحديث عن نفسه بضمير الغائب. وتستطيع بالقراءة الفاحصة أن تستدل على تلك الذكريات، فإن عثرتَ عليها فلن يقول لك أبوعبدالمحسن إنني لست المقصود.

الإضاءة الرابعة: تقوم تلك الخواطر والأحاديث على ضرب الأمثال، وإيراد الشواهد في كثير من المواضع. ولكن قد ترد بعض الفقرات الوعظية كقوله: أي بني ابذل المودة الصادقة تستفيد إخوانا وتتخذ أعوانا....إلخ. وأظن أستاذنا متأثر بابن المقفع في كتابه: الأدب الصغير والأدب الكبير.

الإضاءة الخامسة: حفظ أستاذنا عبدالله كثيراً من القصصٍ مما سمعه ووعاه وحفظه في هذه الخواطر. فهو قد نقلها من التلقي الشفهي إلى التدوين والحفظ. فهو بذلك حفظها من الضياع الذي طال كثيرا مما يشابهها من تراثنا الشعبي.

الإضاءة السادسة: تقلُّ الأخطاء اللغوية والمطبعية جدا. كما أن الكتاب هادئ الإخراج مما يوحي بميل مؤلفه إلى الهدوء والسكينة في زمن الكهولة والحكمة. وهو حسن التبويب والترتيب.

آمل أن أكون قد أوفيت الكتاب جزءاً من حقه فهو جدير بالقراءة والاستفادة منه. وقد قال عنه أستاذنا عبدالله بن إدريس في تقديمه للكتاب: فالكلُّ مُحتاج لهذا الكتاب ومستفيد منه...وأنصح قارئ هذه الخواطر ألا يطوي صفحات هذا الكتاب حتى يأتي على آخر سطر منه فيكون قد رُويَ من هذا العذق وأخضلت نفسه على ربواته.

إبراهيم بن سعد الحقيل
رابط هذا التعليق
شارك

وعليكم السلام العزيز جنتل والعشر مباركه شكرا للمرور بالنسبه للكتاب يستحق الإقتناء انا اعرف ان العم ابو عبد المحس يهدي الكتاب وقد حصلت علي نسخه منه في أثناء زيارتي له في جلسته الليليه بعد كل مغرب والدار طابعه الكتاب الناشر العربي الرياض ،وسوف اتاكد عن دار التوزيع واخبركم هنا ،ارحبو لابتي ،

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان